Wednesday 25 May 2011

المسار العربي

اللغة العربية وتحديات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت
حجم الخط:
المسار العربي / أيت عمار محمد 21/12/2010 00:26:00


بدعوة من مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي بجامعة درهم Durham البريطانية ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس، تم أيام 9 و 10 و 11 ديسمبر 2010 عقد المؤتمر الثاني والثلاثين لمنتدى الفكر المعاصر حول اللغة العربية وتحديات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت.

وقد تم افتتاح المؤتمر بكلمة الأستاذ عبد الجليل التميمي بالعربية ثم كلمة د. أنيسة داودي من مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي بالانجليزية ثم كلمة سفير المملكة المتحدة المستعرب كريستوفر اكنور Christopher O’Cnonner ، والتي ألقاها بالعربية تقديرا منه لهذا الجمع من الأساتذة والخبراء المتخصصين والذين وفدوا من الدول التالية : الأردن، الإمارات العربية المتحدة، بريطانيا، تونس، الجزائر، روسيا، سربيا، قطر، المغرب الأقصى، فرنسا، مصر والمملكة العربية السعودية. وقد حضر افتتاح المؤتمر الباحث والخبير الثقافي السيد أنور حبيبي من رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية، وكان الحضور مكثفا من عدد من وسائل الإعلام المحلية والعربية.

وفي الكلمة التي ألقاها الأستاذ عبد الجليل التميمي، أكد على أن اللغة العربية تعد اليوم من أقدم اللغات الكونية وخامس لغة من حيث عدد مستعمليها وأنها صمدت أمام كل الأزمات والحملات التشويهية والتضليلية ومختلف التحديات. واليوم فان الجميع مدعوون لوضع مشروع النهوض بلغة الضاد في العصر الرقمي ثم دراسة الواقع اللساني وتفاعله مع مختلف الفنيات التعبيرية الجديدة وإثراء المحتوى الفني وكيفية معالجة واقع الترجمة الآلية وتطويع واختراع واشتقاق المصطلحات الفنية التي تمدنا بها المختبرات الدولية تباعا ويوميا.

أما د. أنيسة داودي فقد أكدت على أن هذا المؤتمر عالج موضوعا حساسا جدا لمس جوانب عديدة لطبيعة التحديات التكنولوجية التي تواجهها اللغة العربية اليوم، وانه نظار لمشاركة كوكبة من الخبراء من بريطانيا وفرنسا والعديد من الدول العربية مغربا ومشرقا، فالمؤمل أن يتم معالجة مثل هذه المشاكل وان نخرج بتبني مشروع جديد لهذا الغرض.

أما سفير المملكة المتحدة، الذي ذكر بأنه تعلم لغة الضاد بجامعة درهم، فقد أكد أن لها تاريخا مجيدا وهي اليوم من أكثر اللغات انتشارا في العالم وانه لا مفر من انتشارها على مستوى النت وانه يفضل تجنب الاحتكار اللغوي الذي من شانه استبعاد البعض من الوصول إلى المعلومة وتوصيلها إلى اكبر عدد من سكان العالم. وأكد أن معظم المؤسسات الدولية أصبحت تخصص أقساما للغة الضاد وان قناة البي بي سي البريطانية توفر كل المعلومات بالعربية على موقعها الالكتروني.

وخلال ثماني جلسات علمية قدمت 22 محاضرة كانت أولاها محاضرة مفتاحية تناولت وبعمق عديد الإشكاليات الدقيقة التي تجابهها لغة الضاد. ونظرا لكثافة الأطروحات والمقاربات، فإننا نوجزها في المسائل التالية :

- اللغة العربية تعد مكونا ووسيطا أساسيين لنقل المحمول الثقافي والحضاري بما يوفر للإنسانية عطاءات مهمة جدا، والعناية بما تساهم في تجاوز الفجوات الرقمية والاندماج في المحيط الجغراسياسي والاقتصادي لمجتمع المعلومات.

- رسم خارطة واقع العربية في الزمن الرقمي، يكشف عن ضعف المحتوى الرقمي وعدم اكتمال البنى التحتية للغة وتتعرض اللغة العربية لمعوقات عالمية ناجمة عن هجوم الثقافات والعلوم التطبيقية المعولمة، ولكي تفرض العربية نفسها على الساحة العالمية لابد من إدخالها في المجالات الرقمية واستيعاب الحداثة.

- اللغة العربية تواجه تحديا جديدا يتمثل في استعمال اللغة المحكية للتواصل وهذا الميدان يتصف بتقنيات متطورة وهي تعاني تشويها إملائيا ونحويا ربما يجعلها في المستقبل تترسخ وتحل محل الصيغة الكتابية للكلمات ذاتها في العربية الفصيحة.

- ظاهرة التحولات في الكتابة العربية التي فرضتها الحاجة للتواصل عبر المواقع الالكترونية الاجتماعية، مثل كتابة العربية بالحروف اللاتينية، والكتابة باللغة العامية، واللهجات المحلية، مع ما نتج عن ذلك من ظواهر كتابية جديدة وحروف بديلة في حال عدم مقدرة الحروف المعروفة على مواكبة المتطلبات، والبحث عن أسهل الطرق لإيصال الرسالة للمتلقي بأسرع ما يمكن.

- أزمة الترجمة لها علاقة مباشرة بوضعية اللغة العربية وهي ناتجة عن هيمنة اللغات الأجنبية وقد أدت إلى تدني جودة الترجمات الحاصلة اليوم في فضاءاتنا العربية.

- اللغة العربية تمتلك القدرة على احتواء وهضم المفردات العلمية والتقنية بما في ذلك تعابير الشبكة العنكبوتية، وتتمتع ببنية واليات قل وندر أن تتوفر في لغة أخرى.

- اللغة العربية المنطوقة تكرس في الفضاء الرقمي، وعلى نطاق التداول اليومي في الشبكة، وهي تكرس جانبا مهما من الاقتصاد اللغوي، الذي امتد بأشكاله الرقمية، نحو تغيير اللغة ودعم ما يسمى بالجوانب الصامتة منها وبألوان تستجيب كما وكيفا لطاقات التواصل الرقمي في هذا العصر.

- الدعوة إلى مراجعة المناهج والنظريات الملائمة للواقع الرقمي وذلك في ميادين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية.

- يعد تحول المحادثة الشفهية إلى الفضاء الافتراضي، واحدا من تحولات الفهم الجديد للظاهرة اللغوية، حيث تحول المنطق الدلالي من خلال ثورة الكتابة الرقمية، نحو ايقنة الفعل والكينونة خلال اطر تلفظية جديدة.

- مواقف المعلمين من حوسبة منهاج اللغة العربية (مدارس ومعاهد الأردن نموذجا) حيث تطرقت الدراسة إلى التعرف على اتجاهات المستخدمين نحو حوسبة منهاج اللغة العربية وذلك من خلال الدراسة الميدانية على مجتمع الدراسة من خلال اخذ عينات وتوزيع استبيانات تحتوي على مجموعة من الأسئلة وأبرزت الدراسة عديد الحقائق المغيبة.

- التطعيم الإيقاعي في المخبر تطلب تكوين مجموعة من الباحثين من اختصاصات متنوعة كاللسانيات والموسيقى والنقد الأدبي وعلم النفس والتحليل الإعلامي ولم يتم ذلك إلا باستعمال آلات مختصة مثل الكمبيوتر وجهاز قيم الإيقاع الموسيقي. ومن شان الإمكانيات التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة فتح آفاق جديدة للبحث في ميدان ما تزال التجارب فيه متواضعة.

- الدارس لأقطار العالم العربي في المشرق والمغرب يجد وضع اللغة العربية الفصحى غير سليم عند المتعلمين وحتى الجامعيين والمثقفين ورغم عمومية المشكل، فان هناك اختلافات في معالم هذا المشكل بين المشرق والمغرب العربيين.

- من اجل تطوير اللغة العربية الفصحى والتي هي بمثابة المصدر المعلوماتي فانه من الأفضل أن يتم الاهتمام بالجزء اللغوي في البرامج الموجودة في عصرنا الحاضر، إذ بدأت منذ عشر سنوات المرحلة الجديدة في تاريخ اللغة العربية وهي المرحلة المعلوماتية.

- التأكيد على أن اللغة العربية أساس الثقافة العربية وعمادها، وبالتالي ينبغي أن يكون لمعالجة أوضاعها واتخاذ القرارات الكفيلة بالحفاظ عليها وتطويرها وتحقيق استخدامها الشامل وغرس الاعتزاز بها في صدارة الاهتمامات الوطنية والقومية وخاصة في القمة الثقافية المرتقبة.

- التأكيد على أن قضية اللغة العربية في كامل أرجاء الوطن العربي قضية امن قومي، وان التسيب الذي يتسم به التعامل معها في جل الأقطار العربية مهدد بهذا الأمن القومي.

- دعوة الدول العربية والمنظمات القومية إلى سن تشريع لغوي ملزم ووضع مخططات لغوية يعطي الصدارة للغة العربية، باعتبارها لغة الهوية والحضارة والتنمية والأمن القومي، وينظم علاقاتها باللغات الأخرى التي ينبغي أن تبقى لغات أجنبية غير مهيمنة على العربية.

- ترسيخ الاعتزاز باللغة العربية في نفوس عموم المواطنين وذلك باستخدام مختلف الرسائل والأساليب العصرية وفي إطار اقتناع الحكومات والمجتمع المدني بهذه اللغة.

وقد خصص المشاركون جلسة حوار مفتوح تناولت عددا متزايدا من المسائل ذات العلاقة المباشرة بالانترنت
أما الحوار الذي دار بين المشاركين فقد اكتسى أهمية علمية وكان واقعا وحقيقة حوارا ثريا جدا تقاطعت وتكاملت فيه آراء واستشرافات المشاركين بكل حرية تعبير وساد الانسجام والتوافق واحترام الآراء بين كل المشاركين، كما يرفع المشاركون تقديرهم العالي إلى المستعرب السفير المملكة بتونس الذي احتفى بالمشاركين شانه في ذلك شان مديرة القنصلية البريطانية التي باركت مبادرة عقد المؤتمر.

وفي هذا الإطار فان المشاركين ليشعرون بالامتنان للفرصة الثمينة التي أتيحت لهم للتعرف على تونس والإمكانيات العلمية التي تتمتع بها من خلال تفعيل مؤسسات البحث العلمي الأكاديمية غير الحكومية لتقدم المعرفة والبحث العلمي، والعمل على عقلنة المشاريع العلمية ومعالجة العديد من الملفات مع عدد من المؤسسات العلمية العربية والدولية، وان الشراكة العلمية التي أنجزت اليوم بين مركز الدرايات المتقدمة للعالم العربي بجامعة درهم البريطانية والمؤسسة لدليل جديد على تواصلها العربي والعلمي.

وقد عزز المؤتمر برصيد مهم جدا من الأفكار والمشاريع والتحاليل ذات النفس الاجتهادي لمعالجة مشاكل لغة الضاد وما تواجهه من تحديات تكنولوجية عديدة وقد تم التوقف مليا حول عديد المسائل والإشكاليات البحثية الساخنة خلص المشاركون بعد مناقشتها بهدوء وفعالية إلى أن وضع اللغة العربية لا يحسد عليه وان الانترنت فرضت علينا واقعا جديدا يجب تداوله قبل أن تفرض عليه حلولا لا تمت لقناعاتنا وثوابتنا بصلة، وهذا ما يدعونا إلى تكثيف مبادرات مثل هذه اللقاءات العلمية الهادفة والغير مسيسة حفاظا ودفاعا على سلامة لغتنا اليوم وغدا.

وفي هذا الإطار يثمن المشاركون عقد هذا المؤتمر الاستثنائي والذي تم انجازه بشراكة علمية نموذجية من قبل مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وان د. داودي لترفع شكرها العميق وامتنانها للمؤسسة في شخص د. التميمي لما قام به من جهود قيمة لتنظيم المؤتمر وإنجاحه علميا.

وفي الختام لا يفوت المشاركون بتقديم شكرهم إلى د. أنيسة داودي للحفاوة البالغة بإقامة حفل عشاء على شرف الجميع وان تؤدي د. سلوى حفيظ المتخصصة في تاريخ الموسيقى وتهدي لنا باقة من الأغاني التونسية القديمة والشرقية بصوتها الحنون والمؤثر جدا، وهذا ما أضفى على المؤتمر قيمة جمالية لا تمحى من الذاكرة أبدا.

Monday 23 May 2011

Another evidence of E-Arabic use

“Er7ol,” by Libyan Poet Giuma BuklebPosted on May 23, 2011
by mlynxqualey| Leave a comment

Giuma Bukleb
I particularly enjoyed the last stanza of Giuma Bukleb’s “Leave,” translated by Libyan poet and short-story writer Ghazi Gheblawi.

حتى الزغاريد، إن وجدت، التي بشّرت بميلادك
خذها وارحل
ودعنا..
Even the ululations, if they exist, that heralded your birth
Take it all with you and leave,
And let us…

Monday 9 May 2011

'Revolutionary' Chick Lit, Erotic Theology, and the Future of the Saudi Novel

'Revolutionary' Chick Lit, Erotic Theology, and the Future of the Saudi Novel
mlynxqualey | May 9, 2011 at 10:32 am | Categories: Saudi, women | URL: http://wp.me/pHopc-1vr


Raja Alsanea, often praised/blamed for starting it all with her novel Girls of Riyadh.Anglos have long been charged by a belief in Arab (hyper)sexuality. As Edward Said nods at in his pioneering Orientalism, this is in large part because of Anglo (hyper)reserve about s-e-x. Indeed, we might just as well talk about why Anglo writers can't properly describe sex in their novels, and what they might learn from Saudi women.
This is in part because Saudis, Madawi al-Rasheed argues in The New Significance, have a history of healthy sex talk. Reserved Anglo women would be shocked by the talk of (married) Saudi women, she says, as Saudis "go in for elaborate 'sexual' talk."
However, the sex talk doesn't end there. It also, less healthily, extends to strict religious and government regulations. Al-Rasheed cites an elaborate "erotic theology," through which scholars circulate how-to sex manuals and answer sex questions live on television.
And in the last decade, sex talk has found its way into young women's novels.
Yes, the topic has been titillating for Anglo news editors. But also for Arab readers. According to the Oman Tribune, "London-based Saudi writer Zeinab Hifni’s latest novel Wesadat Le Hubbiki or the 'Pillow for Your Love'...is the talk of the [2011 Muscat International Book] fair."
And why not? The novel, published by Al-Saqi, is one of a number of well-known Saudi women's novels that talk about sex, international travel, and shopping. Are these novels revolutionary or reactionary? Are they good literature or neocapitalist fantasy?
Madawi al-Rasheed quotes novelist Badriya al-Bishr as saying that sexual themes in the new Saudi lit are just...sexual themes. Contemporary Arab literature, al-Bishr said, "is saturated with sexual scenes but critics do not concern themselves with this. Only when Saudi women write about sex, they are singled out."
Saudi reporter Sabria Jawhar wrote about the issue in Arabisto last year:
Female authors like Al Bishr and Al Gohani may never cross gender lines and be embraced for their work as writers and not just women. But that matters less than the fact they are reaching a female Saudi audience who may be inspired to reach beyond domestic life for a larger piece of the pie.
Obviously, we've written about this too much already:
The New Saudi Novel (Again): Rebellious Pamphlet or Artistic Revolution?
The ‘Tyranny of Sex’ in the Saudi Novel
Laila al-Othman: Too Much Sex in New Saudi (Women’s) Lit
Although there's probably no harm in this one:
A Primer on Saudi Lit, Abdulrahman Munif to Present

Monday 25 April 2011

ARABIZI TEASER

Video about Arabizi

http://vimeo.com/1849133

Friday 22 April 2011

‘Arabizi is destroying the Arabic language’

http://arabnews.com/saudiarabia/article366743.ece

By RENAD GHANEM | ARAB NEWS

Published: Apr 19, 2011 22:25 Updated: Apr 19, 2011 22:25

JEDDAH: Arabizi, a term that describes a system of writing Arabic in English, is now more popular than ever, especially online.

Parents and teachers are becoming more concerned over the popularity of this new trend. Some see it as a threat to the Arabic language.

A non-English speaker does not need to speak the language to communicate with others in Arabizi. Numbers are also mixed in Arabizi to represent some letters in Arabic, such as 2, 5, 6, 7 and 9.

Most Arab Internet users find this way easier than typing in Arabic. Teachers fear that this will weaken their Arabic language ability or even replace the language in the future. Arabic professional professors from the Arab world consider it a war against the Arabic language to make it disappear in the long run.

Miral Dibawy, a 21-year-old university graduate, is using Arabizi because she finds it easier when typing on the Internet and sending text messages. She also admitted that it has weakened her Arabic language ability when it comes to writing.

“I was so addicted to this language when chatting and sending texts to my friends. When it came to my research paper, I was finding it hard to write in Arabic. I had to write it in Arabizi first and then translated it into Arabic,” said Miral.

She confirmed that she tried many times to write in Arabic or English, but she found it was very difficult because she had become dependent on Arabizi.

“When I start writing in Arabic, I found myself committing many mistakes and typos and sometimes had difficulty finding the words I wanted to express my thoughts.” She said that some writers used Arabizi when writing books and Internet blogs.

Dina Jamal, university student, agreed that Arabizi weakens the Arabic language and said she only uses Arabic or English when communicating online.

“I do not care if Arabizi is modern or elegant, all I care about is protecting my mother language,” she said.

She added that it is sad that people ignore Arabic, the best language to express feelings, and use Arabizi instead. She said that it is better to use it sparingly and only online and not make it a language that in the future could replace Arabic.

Ali Nasser is a private company employee who does not think there is a problem using Arabizi. He said that Arabizi is a valid mode of communication inside the company and used when emailing other co-workers.

“For me, it is difficult to express myself in Arabic. I cannot write slang in Arabic because it is difficult, while in Arabizi I can. I do not see any evidence that Arabizi weakens my Arabic. The same could be said about weakening the English language but it is not true. I think people are oversensitive about this issue.”

Taiba Al-Amoudi, a private middle school Arabic teacher, claimed that Arabizi was negatively affecting her students’ command of the language.

“The student started creating words from Arabizi and using it in their daily conversation and this is negatively affect their Arabic language knowledge,” said Al-Amoudi

Hossam Gouda, an Arabic language teacher at a private school in Jeddah, believes that Arabic speakers must use Arabic only, the same rule applying to other languages.

Gouda said that there had been a noticeable decline in the performance of students when it comes to Arabic.

“Using Arabizi has a negative effect on the Arabic language,” he said.

He confirmed that Arabic speakers must protect the language and make it stronger.

“What’s happening is that Arabic speakers are weakening the language by using Arabizi, and destroying it in the process,” he said.

Gouda added that it’s better to use Arabic online for as long as possible to prevent it from disappearing in the long run.

Tuesday 22 March 2011

Arabic language day: Qatari style

Arabic language day: Qatari style
Posted in Applied Linguistics,Arabic language,Arabic slang,Arabizi,Linguistic relativity,Sociolinguistics by FFSS on March 16, 2011
Tags: Arabic language, Qatar, Qatar University

Image via Wikipedia
It seems the winter is going slowly and it’s time for those beautiful long walks again, and for those of us who love a challenging walk this is a good time. Though now I’m told the next time I am in Scotland to try the Munro walk, actually I call it a climb, apparently it’s not for the faint hearted so I’ll have a go and see- of course the best part are the breathtaking views. I have three of four posts to put up, of course I could not resist looking at the speeches of Gaddafi and writing about them from a linguist’s point of view (they are quite interesting, and I hope the Libyan people will soon be saved from this situation our prayers are with them).The other one is a review of an unpublished book chapter that I was sent a while ago, and it addresses the effects of the English language on the Arabic language in Gulf schools- anyone interested should read it, well-written, well researched. Thank you and welcome to the new subscribers to the blog, I hope you will get some nice posts in your inbox and that you won’t be disappointed; and thanks to the suggestion that I should blog more often. I will do my best, I can only think of one clichéd excuse ‘there is so much work to do’ and I hate to blog rubbish since I think my readers deserve good things.

Right back to our topic, one that is once again at the heart of Arabizi (Arabizi- How we use Arabic today©2011) the fascination and inquisitiveness into how Arabic native speakers use their language today. Is the suggestion, which often offends natives, that Arabic is dying or being lost by its speakers a true statement or one unfounded? Well to answer that you’ll need to carry out some research but here based on newspaper articles we make an analysis of the state of Arabic language right now, since newspapers reflect some type of reality.

I came across the post below on a Qatari newspaper on the 4th of March 2011, titled: ‘Qatar University holds Arabic language day’. Then it occurred to me that I never quite grasp why it’s important to celebrate one’s language and mark a special day for it, if one uses it every day in all communication?! But then, thinking this idea over and in looking closely at the context, and my own personal experience in travelling extensively in the region- it dawned upon me: the Arabic is never really spoken in public. It does not behave like the official languages in other parts of the world. Arabic in Qatar although the official language, in actual fact is only spoken by a minority, the majority speak English, Hindi, Urdu, Tamil, Indonesian and I think Thai (I don’t know the exact distributions). The schools do not cater to promote proficiency in the teaching of Arabic, and English is becoming ever more popular as a medium of instruction (I will discuss this in the next few posts when reviewing the book chapter I mentioned above). So the result is that the language is in danger of being lost or shifted or…whatever one wishes to label this process- but one fact is real that it is not as stable as a functioning official language should be, hence the worry. Hence the special language festivals and days to mark and reinforce the importance of the language, I cannot say that this is aimed at the non-native speakers for there is also an absence of well organised institutes that teach Arabic as a second language. And the factors go on and on, I will stop now and let you read the short article pasted without editing and at the bottom some of my thoughts on it:

———————————————————– enjoy!

Qatar University holds Arabic Language Day

DOHA: Qatar University (QU) College of Arts and Sciences (CAS) held its third Arabic Language Day celebration this week, under the theme ‘My Language and the Other.’

The programme included an exhibition of students’ work highlighting excerpts from Dr Al Bastian’s widely-acclaimed publications, poetry recitation, and discussions on issues of Arab and Islamic communities.

QU VP and Chief Academic Officer Dr Sheikha bint Jabor Al Thani gave the opening address in the presence of Minister of Culture, Arts and Heritage H E Dr Hamad bin Abdulaziz Al Kuwari, guest and founder of the Abdul Aziz Al Babtain Prize for Poetic Creativity Dr Abdul Aziz Al Babtain, members of QU leadership, Supreme Council of Education representatives, CAS Dean and faculty, staff, and students.

Dr Al Thani stressed the importance of promoting and celebrating the Arabic language and highlighted QU’s role in doing so.

“This event encourages communication and interaction with other languages and cultures. Our language is deep-rooted in genuine values and sentiments and is the best channel to showcase our ancient and vibrant heritage. It is everyone’s responsibility to honour our language and we have to exert every effort to develop and preserve it,” she said.

She outlined the many programmes that QU offers especially the Arabic for Non-Native Speakers (ANNS) programme which attracts international students, promotes Arab and Islamic culture, and boosts social and cultural openness.

Minister Al Kuwari pointed out the role the ministry plays to promote Arabic and Islamic language and culture.

He thanked QU for its participation in the activities celebrating Doha as the Capital of Arab Culture 2010.

CAS Dean Dr Kassim Shaaban noted that Arabic Language Day was acknowledged by the Arabic Language, Education, Culture, and Science Organisation (ALECSO) to be celebrated throughout the Arab world. He referred to some of the current challenges the language faces in competition with other languages and dialects.

“This however had the effect of increased awareness and interest in the Arabic language in terms of culture, science, and religion,” he said.

——————————-end

I often talk of the nature of language being more than just words and that seems to be a strong motivation for holding these days/events. Language allows people to understand the culture of the other, for it holds the key to the belief, customs, culture and even way of thinking for the speakers. If the language is lost the culture is lost and it’s as simple as that, I think the more I come across these types of writings the more I am convinced of that fact: language is more than mere words. At least the Qataris are trying to pre-empt the ‘death’ of their language and by default the death of their customs and culture. I am still on this journey of discovery and I hope one day I will understand the reality of language and its indispensible nature for the human being. Please share your views as always thanks for reading!

————

Sources:

http://www.thepeninsulaqatar.com/qatar/144591-qatar-university-holds-arabic-language-day.

Leave a Comment
The power of words: What the ‘revolution’ in Egypt illustrates
Posted in Applied Linguistics,Arabic slang,Arabizi,Linguistic relativity,Linguistics,Sociolinguistics,Some writings by FFSS on February 10, 2011
Tags: Applied Linguistics, Egypt, Egyptians

Image by StartAgain via Flickr
It has been a while since I jotted something down for the blog, wishing you all a wonderful new year both Gregorian or Chinese and I pray that peace comes to all peoples of the earth and that we all live our lives happily. I have a few topics to write about over the next few weeks, today I am revisiting one of my favourite topics (still trying to understand it in its true meaning) the power of language or more precisely the power of words.

As a linguist there is always that need to understand the power of words or the power of how people use language in all spheres of their life, and inevitably the effect of those words. One of the topics I have discussed on this blog time and time again is the fact that language is more than mere words and that these words have far reaching meanings and implications this was done most notably through the ever recurring ‘Sapir-Whorf hypothesis’ posts. In looking at the current events in Egypt (that at times are hard to watch because of the unbelievable violence, and the hurt of looking at such a beautiful country fall apart) one thing is clear language clearly plays a major role.

Dubbed as a revolution, we know that all revolutions whether intentionally organised or spontaneously supported and joined by people, have or move on what is termed as ‘slogans’. Slogans have a few characteristics: they are usually short this ensures that remembering them will not be hard, and depending on the language of the so called slogans they might rhyme, a further aid in helping people remember them. They are words that are repeated again and again to reinforce the feelings and stance(s) of the ‘protesters’ (not sure if that’s the right word- words can be sensitive! If they are called protesters or revolutionists what are the implications??) Slogans were very prominent in the French, Grenadian, Chinese and Russian revolutions, simple words to move the emotions the simple people who wanted more justice in their lives as they saw it at the time (See: The Power of words- Literacy and Revolution in South China 1949-95, by Glen Peterson, 1997). There were three common Bolshevik slogans during the 1917 revolution: 1. Factories for the workers, land for the peasants. 2. All power to the soviets. 3. Bread, and freedom! Short and easy to remember and I am sure even in non-technology days, these words spread fast because of the power of words.

In Egypt they have new simple slogans created at every step through this uprising of theirs, everyday new slogans appear and sometimes more than one in a day. What is amazing is that once it is uttered in Cairo, you find it is also uttered in Alexandria, Suez, Luxor, London, Washington, Indonesia, Malaysia, France, Belgium, Beirut, Amman (I could go on) and even Japan –all in the same Arabic words, in the same tune and vigour. Is that the power of words or what? When looking at these people outside Egypt chanting these slogans one can see their seriousness and earnestness in repeating those words, perhaps it’s the association they attach to the words?! This is something that has intrigued me for days and caused me to write this post, how the whole world has viewed the unfolding of events in Egypt in an unprecedented manner, and at the centre of it all language plays a major and central role (maybe for a linguist that’s the case and for a politics student it isn’t?). It’s almost as if those outside Egypt in their solidarity marches feel as the people feel in Cairo, any new slogan they repeat it, translate it and spread it. This reminds me of the basis of NLP (neuro-linguistic programming) in which language, its repetition and what one associates with those words can help transform a person’s life for the better (maybe a topic for another post).

We cannot ignore the role of technology in all this, it is through the satellite TV stations that (live news coverage) people see the slogans or hear them chanted that they can then re-chant them. I do not think there has been anything like this in the history of popular uprising, revolutions or whatever one wishes to call them, where the words and aspirations of a people uttered in one corner of the earth are reiterated across the globe in the same tune, style and sincerity. I am not a historian (though history interests me) but I cannot remember of ever reading anywhere how the slogans of one group were reiterated and reverberated across the world in this way. In addition to the spoken slogans and the mimicking of those, there is also the power of the written words. Over the past fourteen days some pictures usually with a man or woman or child holding a banner with a message have become iconic in representing the events in Egypt. These same words are then take and re-written across the world by supporters of the people in Egypt, the power we are talking about here is doubly strong: speech and words. This was a short note on how I see language plays a major role or rather a powerful role in events such as these and that what is happening in Egypt is unprecedented on many fronts and one of those is the use of language (intentional or unintentional).

I don’t know how things will end in Egypt (though tonight we are hearing different things?) but I hope that peace and security will be restored in Egypt and that the wonderful kind-hearted Egyptian people will be at peace soon- Allah yahmeeki ya Masr wa yahmee sha3b Masr (May God protect Egypt and its people). Please share your views on this post as always I look forward to them, I am open to suggestions or ideas, and if I have not replied to any recent messages I apologise will do so soon.

Enjoy!

——–

Sources: Peterson, G (1997) ‘The Power of words- Literacy and Revolution in South China 1949-95’.

Wiki-answers: For Russian and French revolution information (slogans).

Here is a sample of eArabic in music

LIsten to the Yamani Rap music on youtube




http://www.youtube.com/watch?v=0TY1cf7JCjA&feature=player_embedded#at=48

An Article I read and liked

الجابري والاعراب نظرة ورأي



رباح حسن الزيدان
الحوار المتمدن - العدد: 3313 - 2011 / 3 / 22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع


الأعتداد بالعقل ليس ببعيد عن العرب بأنفسهم المتأثرة بالبيئة المقفرة التي أحاطت بهم .
فلا يوجد أمام العربي سوى الصحراء والسماء التي تدفعه الى النظر والتفكر .
يقول أبن المقفع عن العرب بأنهم : "اهل بلدٍ قفرٍ ووحشة من الأنس , أحتاج كل منهم في وحدته الى فكره ونظره وعقله" . وهو انما قال ذلك ليدل به على ان العرب لهم الأفضلية على الأمم .
فهم لا ينقلون العلم عن أحد , انما يعتمدون جميعاً على ومضات بصائرهم , أي أن العربي لا يحيا في الاشياء بل يحيا معها . وهو في أنفصاله هذا عن الأشياء , تراه يلحظها ويدون صفاتها كما يرصد الصانع عدته , لا كما يؤاخي الصديق صديقه .
لذلك كان الاعرابي هو صانع العالم عند الجابري . فالعربي يحب لغته الى درجة التقديس , ويعتبر السلطة التي لها عليه تعبيراً ليس فقط عن قوتها بل عن قوته هو أيظاً .
وتتحدد هوية العربي بفصاحته أيظاً وليس بمجرد العقل . ومن الناحية التاريخية , فأت أول عمل علمي منظم مارسه العقل العربي هو جمع اللغة العربية ووضع قواعد لها .
وقد جُمعت مادتها في عصر التدوين من أفواه الأعراب الذين بقوا الى ذلك العصر منعزلين لم يتعكر صفو لسانهم بالاختلاط بسكان المدن والحضر .
لذا فأن لسان العرب لابن منظور وهو أضخم موسوعة في اللغة العربية , لا ينقل الينا على ضخامة حجمه , اسماء الاشياء الطبيعية والصناعية ولا المفاهيم النظرية , وانواع المصطلحات التي عرضها عصره , القرن السابع والثامن للهجرة .
ذلك أن الثمانين الف مادة لغوية التي يضمها قاموس ابن منظور لا تخرج عن دائرة حياة ذلك الأعرابي الذي كان بطل عصر التدوين . ويحدثنا التاريخ ان بعض الاعراب قد أحترفوا بيع بضاعتهم من الكلام , وان بعضهم الاخر رحلوا الى البصرة أو الكوفة للاقامة فيها كرواة للغة .
من كل ذلك يميز الجابري صفتين للغة العربية : لا تاريخيتها وطبيعتها الحسية . تعني الاولى ان اللغة العربية تعلو على التاريخ ولا تستجيب لمتطلبات التطور . اما الثانية , فأن جمع اللغة من الاعراب دون غيرهم , معناه جعل عالم هذه اللغة محدوداً بحدود عالم أولئك الاعراب . ولما كان هؤلاء يحيون حياة الفطرة والطبع , أي يحيون حياة حسية أبتدائية , فلقد كان لا بد من ان ينعكس ذلك على تفكيرهم وبالتالي على اللغة التي جمعت منهم وقيست بمقاييسهم . ويقول الجابري ان الكلمات العربية ذات أصول في الطبيعة وان مبدأ الصحة فيها قد تعين من قبل الفطرة لا من قبل العرف والعادة .
وكما ان الاعرابي هو صانع العالم العربي ومصدر اللغة الفصيحة , فإنه ايظاً مصدر العقل العربي في التأمل والنظر . فالاعرابي حر ولا يقبل السلطة من غيره , واصبح العقل حراً يتقيد بالحقائق التي يكتشفها ويعدّها مطلقة . وقد ساعدت البيئة البدوية المفتوحة على الارض والسماء على هذا الاطلاق بسبب تهيئتها للظروف الملائمة للتأمل الفكري .
ويرى الجابري أن ما يميز العقل بوصفه عقل الثقافة العربية الاسلامية هو أن العلاقات داخله تتمحور حول ثلاث اقطاب : الله , الانسان , الطبيعة .
والطبيعة هي التي تقوم بدور المعين للعقل البشري على أكتشاف الله وتبين حقيقته . ففي الثقافة العربية الاسلامية يطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل الى خالقها : الله .
وهناك في الثقافة اليونانية الاوروبية يتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه لها .

Tuesday 15 February 2011

شباب الرواية والرؤية عبير إسبر ـــ خيري الذهبي

شباب الرواية والرؤية عبير إسبر ـــ خيري الذهبي

بعض النصوص الروائية تفتنك حال قراءتها ليس لندرة أحداثها, ولا لجمال شخصياتها, ولا لإبهار معمارها, وإنما لنضرة التناول, وطزاجة التعامل, وعفرتة اللغة الشابة الجديدة غير المثقلة بالقواعد والتقاليد والجزالة, والعتق, وربما كان هذا أول ما لفت نظري في رواية الكاتبة الشابة عبير أسبر المسماة (لولو) والحائزة على الجائزة الأولى للرواية في مسابقة وزارة الثقافة.‏

لولو, وتكاد تمسك بمفاتيحها من اسمها هذا غير المألوف في الرواية السورية التي عودتنا فيها التقاليد القائمة على الجزالة اللغوية والقضايا الكبرى, والنضّال لتحقيق أشياء خارجة عن عالم الجمال ـ الأدب, الداخلة في عالم التعبوية السياسية.‏

ولولو هو اسم لبطل الرواية خالد الذي يفاجأ بالمجموعة المصرية القادمة لتصوير فيلم عن فلسطين والتي تعثر على موقعها التصويري في قريته المسماة الحصن, ولا أعرف إن كان هناك قرية سورية اسمها الحصن إلا إن كانت المنسوبة إلى قلعة الحصن, أو حصن الأكراد أو الكراك ديه شيفا لييه في اسمها الأوربي.‏

المهم خالد هذا الشاب الغارق في حب ابنة قريته وردة والراسب في الثانوية وغير المكترث كثيراً للعلم إذا به يصطدم بعالم آخر مختلف, إنه عالم العاملين في السينما, وقراءاتهم للعالم وللشخوص, وللحياة وللأدب, وحريتهم في الحركة والفهم والحب, والحياة, والحركة في صدامه الجديد مع عالم القرية السكوني, الملتصق بالطبيعة, زراعة حصاد, رعي دواب, حب يؤدي إلى زواج, فإنجاب, فاستمرار لدورة الطبيعة.‏

يختار جماعة الفيلم أرضاً لأهل خالد ويجعلونها موقعاً للتصوير ويصبح خالد الذي سيسمونه لولو دليلهم ومعرّفهم ووسيطهم إلى القرية ويصبحون دليله إلى قراءة أخرى للحياة, ومغامراتها وخروجها عن المألوف والطبيعي ـ من الطبيعة ـ‏

تقول ريم لخالد الذي يتدله في حبها, ويتخلى من أجلها عن وردة التي وشم اسمها على ذراعه على قلب وسهم وكلمة وردة إلى الأبد: اعرف نفسك تكتبها له بعدة لغات, ويحاول خالد الذي غيرت مجموعة السينما من مفاهيمه ورؤيته للحياة أن يعرف نفسه حسب ما طلبت منه ريم التي تقدم نفسها له بقولها: عمري 35 سنة, حاول تنسى الرقم ده يا لولو, ضحكت ممازحة إياه من إحدى الانقشاعات النادرة في مزاجها المعتل, خمسة وثلاثون عاماً.‏

تصغر أمه بأربع سنوات, وتكبر وردة ـ وردة وشم إلى الأبد ـ بعشرين عاماً... ثم تكمل: ما بحبس الجواز, رجاله من غير جواز أحلى.‏

هذا الاصطدام بالمفاهيم, والاصطدام باللغة, فالمجموعة السينمائية مصريون, يتحدثون طيلة الوقت باللهجة المصرية التي سيتحول خالد إلى مجاراتهم بالحديث بها.‏

هذا اللعبة اللغوية في الانتقال من الفصحى الخفيفة, إلى المصرية, إلى السورية... هذه الطراوة في التعامل مع الحدث, ومع الشخصيات ومع الحوادث الكبرى, قضية فلسطين, الأميركيون والعراق, الإشكالات السياسية المعاصرة إلى آخره.. كل ذلك في رواية صغيرة مما يسمى بالنوفيلا, فالرواية كلها لا تتجاوز العشرين ألف كلمة.‏

ينتهي تصوير مشاهد الفيلم, يرحل الطاقم, يبقى خالد وعليه أن يتابع حياة ريفية سكونية لم يعد من الممكن تحملها والقبول بها وهكذا يصبح عليه أن يكمل تعليمه, وأن يرحل إلى دمشق, وأن يبدأ ـ كما يعتقد تشكيل حياته من جديد.‏

في رواية عبير إسبر هذه التي فازت بالجائزة الأولى والتي لم يحاول النقد إضاءتها واحدة أخرى من مشاكل الحياة الأدبية في سورية والتي أعتقد أن الأوان قد آن للتخلص منها وإعادة الحياة الطبيعية إلى الأدب بعيداً عن الشللية تحت أي اسم كان.‏

رواية لم تحاول لبس ثوب أكثر فضفضة من مقاس جسم كاتبتها لم تحاول الصراخ بعيوب أعلى من حنجرة كاتبة شابة جداً, لم تحاول التمحك بالقضايا الكبرى معبراً لتمرير نصها.... بل كان أجمل ما لفت نظري فيها إخلاصها لعمرها, لقضايا جيلها, وللغة جيلها الشاب....

Monday 14 February 2011

Abeer Esber

بحثا عن سماء أعلى
الإبداع وسؤال الهوية

في عالم بات التعصب يعصف بأجوائه العكرة أصلا، تبدو هيمنة أسئلة الهوية أكثر إلحاحاً من ذي قبل، خاصة عند ملاحظتنا الحذرة للرغبات السائدة حاليا في استخدام لغوي شرس، منتج في ذهنية ملتوية، تفجر كلمات قوية الوقع، كالاجتثاث، والإلغاء ، والإقصاء وإلى ما آخر هذه الأفعال من تبعات تتهم بها الدول الأخرى ونبرأ منها "نحن" ، اتهامات جاهزة في معظم الأحيان، تجد صداها في دول باتت تتبنى العنف الجسدي والمعنوي والحلول المغلقة الأقواس في خطابها السياسي بشكل عام، وانغلاقا أشدا وتوترا مضطردا في خطابها الثقافي بشكل خاص، حيث ينشغل هذا الخطاب في الغالب بهموم زائفة، تهوّل وتسدل عليها غلالات من الخوف، وتكلل بتيجان من الرعب، تعنى بإشكالية الهوية "هويتنا"، تلك التي لم تحسم بعد بين عربية أو إسلامية،وتسمع همسات من قبيل فرعونية، فينيقية إلخ.. وتتجاذبنا مثل العادة تيارات سياسية بأبعاد ثقافية تبحث في شروط الهوية، وتناقش الانتماءات علمانية كانت أو سلفية أصولية، قومية أو قطرية، وتحمل تلك التجاذبات بين طياتها العنيفة، والهادئة أو حتى الخفية منها، خشية جوفاء على وجه حضارتنا المندثر كما أجمع الكل..!! الكل يسوّق للنهاية، لسادوم وعمورة أخريين، لموات قابع بين جدران الأمة..! بحجة ضعف الانتماء وفقدان الهوية، التي كما أسلفنا، لم تحدد من هي؟ وما هو شكلها؟ وما هي أولوياتها، لكنهم يجدون دوما الوصفة السحرية، بإحساس كلي دوغمائي، يفرض رأيا واحدا، حلا واحدا، ويقدم مقترحا وحيدا للحياة، بعد أن اتهم "الآخر" بكل الصفات الشائنة وشيٌطن هذا "الآخر" ليشل وجها كان لا يخشى سفوره..!! إلى أن أتى هؤلاء بمفردات تنبأ بالرعب، بالتلاشي، والاندغام والذوبان في الآخر الشرير أو المفترس "للحق" والجمال وكل أصالة صفاتنا النقية المورثات، تراثية الهوى، المنفصلة حكما عن "الحاضر الفاسد"، وعن حركة الإبداع في بقاع أخرى من هذا العالم، إن اعترف بمشروعية وجوده أصلا..!!
"فساد الحاضر" فزاعة يعلقها هؤلاء بوجه كل من يتجرا على مساءلة الماضي، محاكمته، أو وضعه في ميزان معتدل ليقول الحقيقة، لا لينتقم، بل ليفهم سيرورة التاريخ، وما آلت إليه الأمور في واقعنا المعيش، المساءلة حق ينكره الجميع تقريبا، بحجج تنتصر دوما، للأبطال الخارقين، للرموز، للنوستالجيا وأوهام الحنين للماضي الذي انقضى، والذي يصرون على إحيائه بتكرار أعمى وروح ببغائية..!
في حاضرنا البائس، الفاقد للسحر، بسبب غياب الحداثة الحقيقية، الحداثة المنجزة داخل ديناميكية الحياة، حياتنا "نحن"!، تعطى المشروعية ويمنح السلام الآمن لكل نتاج، يستنسخ الماضي ومألوفية حكايا امتص زخمها عبر سنين مضت، بينما ترفع رايات التحذير والتخوين لكل عمل يتنسم روحا مغايرة، باحثة ، مدققة، محاكمة، أو حتى غير أبهة بوجوه التاريخ المحنطة، المنتهية على حدود الموت.يستقبل التجريب بعالمنا العربي بكل خفة ممكنة، ليست تلك الخفة الرشيقة المسترخية ، المتسامحة بالطبع ، بل تلك الهازئة ، الوقورة، اللامبالية أو المكفرّة، لأي روح مجددة تلمع في سمائنا المنخفضة حتى الاختناق!
يسود الخوف بدءا من اللغة نفسها.. "اللغة" المنعكس الأكثر صدقا للعقلية السائدة حاليا، إذ اختفت كلمات بكاملها، كالخلق وخلاّق من معجم الصفات التي طالما ألحقت بالنتاج الفني، وحتى أنها لم تعد تترجم بشكلها الحقيقي و الصحيح لغويا، وحل فعل أبدع أو الاسم إبداع بدلا من CREATE أو CREATION المستخدمتين بكثرة وبدون قلق في اللغة الإنكليزية، اختفت صفة مثل معبودي أو معبودتي من قاموس الغزل الحالي ، خوفا من مقاربة البعد الديني للكلمات وليس لسقوط تلك الكلمات أو الصفات جماليا أو اندثارها، بينما كان عنوان فيلم مثل"معبودة الجماهير" في السبعينات من القرن الماضي، يملأ ساحات مصر والوطن العربي دون حرج، والآن للأسف ولم يعد أحدا يتجرا أن يصف أحدا آخر، بنبييّ أو إلهي إلى آخر هكذا كفر ولو على سبيل المزاح..!! بينما يوصف أي شخص بالإنكليزية على أنه أيقونة الموضة،أيقونة الجمال.. وتلصق صفة الأيقونة بأي شخص مهما كانت ميزته و ما يقدمه للمجتمع..!
ثم تطبع شركة مثل ماكنتوش كتابا، وهو دليل لمستخدمي الكمبيوتر تسميه " بماكنتوشBIBLE " على سبيل الاستعارة أو المجاز، الذي لم يعد أحد منا يتجرأ على استخدامهما بحق أي معتقد يشبه أو يماثل لو بقليل، معتقدنا عن الكتاب المقدس أو القرآن الكريم..!
لماذا..؟ لأن فنانينا لا زالوا غير قادرين على التنحي بأفكارهم، وانتاجاتهم عن أوهام إنتمائية، قومية، دينية ، أو أيدولوجية والانتماء للفن وحده، للكون أو الإنسانية، وهو انتماء مجرد من كل تبعية، سوى تبعية الفن، وحتى لو حاولوا فإنهم يقابلون بعواصف عاتية من الرفض والتخوين والإرهاب بالفعل أو بالكلمة..! لم يستطع أي شاعر مهما علت قامته مقاربة نصوص القرآن الكريم أو الحكايا في الكتاب المقدس، فكريا أو فلسفيا أو جماليا، بعيدا عن كون تلك النصوص ، نصوصا "إلهية" إلا بصعوبات بالغة نتجت عنها الهوائل، ويحاكم موسيقي لمجرد الغناء، ويطالب برأس فلان ويهدر دم علان ، ويطلق آخر من زوجته، واللائحة لا تنتهي من التهديد، والرعب بحق شاعر هنا ، وفيلسوف لا أدري أين.. إلى آخر لائحة مفتوحة الأسماء، تجيّر ضد كل من يحاول أن يقف على عتبات جديدة للأسئلة ، ليناقش أو يفكر برؤى مغايرة
وبعيدا عن البعد الديني وحساسية الوضع الآن وسوء الفهم الحاصل، سأركز على المقاربة اللغوية مع العلم أنها غير مفصولة عن المقاربة السيسيولوجية، الكاشفة لكارثية الوضع الفكري، والاجتماعي الحاصلين الآن..! لكني سأكمل بمنحى آخر.. بإمكان أي منتج للفن، في أي بقعة من هذا العالم أن يقدم مقترحات لغوية ، أن يلعب باللغة ويستخدم مفردات ينتجها الشارع، حتى لو كانت مليئة بأخطاء نحوية أو إملائية كلغة الأفروأميركان ،أو الأفرو يوربيان أو الأسبانية المتحدثة في أميركا اللاتينية مثلا، التي باتت بعيدا عن الأدب والشعر، توضع كما هي في معاجم تلك اللغات، أي اللغات الحية بطبيعة الحال! وتمارس تلك الحيل من دون أن يشوب ضمير فاعلها أية شائبة، ومن دون أن تلصق به كل التهم المكفّرة، ومن دون أن يصبح اللغوي أو الأديب " المخرب، الهدام لإرث الشعوب!! بينما بالمقابل يعتذر ويبرر أي روائي لدينا، استخدامه بعضا من اللغة المحكية في نتاجه، حتى لو كانت تلك المحكية نابضة وتحمل كل سمات الروعة، والإيجاز، والاختزال، والموسيقى، ببساطة كل سمات العبقرية!! لغاية الآن لا يعترف للشعر الآخر، أو الشاعر الآخر بقيمته التي يستحق، ويستثنى من مجالس العمالقة، وأقصد طبعا شعراء اللغة المحكية، حيث يذكرون بإعجاب بارد و متحفظ، على الرغم من تجذّر نتاجهم في العقل الجمعي لمنطقتنا الناطقة بالعربية، مشكلين خزان وجدانها الأغنى! وإبعادا لسوء الفهم! "أنا لا أريد بأي حال من الأحوال استبدال اللغة العربية الفصحى بالأخرى المحكية ! لكن أطالب فقط بقليل من المتنفس، لإيجاد فضاء أرحب، وسماء أعلى للتحليق باللغة التي بدأت تنكمش وتتقلص مع تقلص الفضاء المتاح بدل أن تتفجر حياة وغنى..!"
إن السائد الآن، للأسف محاولة جادة لقهر اللغة، وبالنتيجة المخيلة طبعا، عبر معجم كامل يرفد لغة التخويف بمفردات بغاية البلاغة والإقناع ، لغة تقهر المخيلة، بدل إطلاقها في عوالم أكثر تعددية وثراء، بحجة الحرص على ذاك الشبح الذي جمّلناه بكل أرواحنا جهلا حينا، وبرياء ومحاباة للظروف المضطربة حينا آخر، تبنيناه موقفا إلى أن أصبح كالغول البشع، دكتاتوري الهيئة، والفعل، حضناه طويلا كالمعتقد ، إلى أن افترس كل نبض طازج للحياة فينا، مسخ دعوناه الانتماء، الهوية، وكل تلك الصفات التي تسّوق للعزل القصري خارج الحياة، وتدعو للعيش داخل قوقعة أفقها مسدود، وسمائها واطئة، بدعوى الحفاظ على الهوية والانتماء إلى مكان وزمان وتاريخ وقضايا الأمة، وتكريس الماضي بأخطائه، وتبني مفاهيم، وجدت حلولها في الأمس المنصرم، وذلك عبر إجهاض أي حس نقدي تجاه مسائل التراث، التاريخ..
إن إبداء الموافقة الغير مشروطة حول الماضي، هي مفتاح المواطنة والانتماء الحقيقيين في هذه الأمة..! وإلا فإن تهم كالتغريب والتخريب والأمركة ستلاحق أي باحث عن مقترح مختلف لحياة مختلفة..! فأين نحن من الحياة الآن؟! وتحت أي سماء نعيش..؟؟

Abeer Esber

السينمائيون ودمشق
"بحثاً عن المكان الغائب"

كان سينمائياً، جاداً، التقينا ودعاني لحضور فيلم أعجبه
في لقاء أول، تقاربت رؤيتنا بسرعة.. بسهولة تناولنا مواضيع تهمّه و تهمّني.. سينما، أدب، فوتوغراف، إضاءة، رقص، نساء ومدن! دعاني للعرض ووافقت
- أريد رأيك.. -بحماس طلب رأيي!
-حسناً..
في ليلة ممتدة، وطعام طيب المذاق تناولناه في بيت عتيق، تحول مطعما.. تحدثنا طويلاً، بكثافة وعمق تناولنا كل المواضيع. هي ليلة جميلة، تسكعنا في طرقات باب توما، في طرقات دمشق العتيقة، والأحياء الممتلئة نوستالجيا وحنين غادر لعمارة هائلة، جميلة، ومهيمنة..
حضرت الفيلم..!
مرة أخرى دمشق.. سينمائي سوري آخر، ودمشق.. دمشق الحارات، والأزقة، والبحرة، والياسمين، والنارنج، والمسدسات، والمخمسات، والعرائش والقطط الناعسة! استفزيت، تناقشنا مجدداً، وقال بهدوء وحجة لا يمكن دحضدها
هو فيلم يؤسس لذاكرة المكان، قال مدافعاً! وأنا قلت (الفيلم مثقل، مشلول بذاكرة المكان)
ذاكرة المكان
تعبير قدسي ممنوع من الانتهاك، محافظ عليه حتى التعفن! تملكك المفردة، تضلّك اللغة، تضطر أن تخشغ أمام سحر البيان، وهيمنة، وقدسية تلك اللفظة، وحتى لا تبدو عديم الحساسية، منعدم الفنيّات، جاف العاطفة! تحترم رغبة صديقك السينمائي.. وتتركه لوحده، لتأملاته، وتهويماته.. فهو
" يحب السينما التي تؤسس لذاكرة المكان"!!
هو فيلم ذاكرة فعلا! السيناريو الذي كتبه يقول كل الحكاية، يحكي حديث ذاكرة، حكاية مكان آخر، كرس نفسه حامٍ له، ولقيمه الجمالية.. كرّس نفسه حامٍ لدمشق، المدينة العريقة ذات البيوت التي ستنقرض من شجع التجار الذين سيحولون بيوتها إلى مطاعم.. روح بكائّة ، عاطفية، نواحة! هو السينمائي الذي لم يسكن سوى عشوائيات تلك المدينة، وبأفضل الأحوال ضواحيها، يدافع عن عمارتها النابذة، وذاكرة بيوتها الحجرية، وبحراتها، وياسمينها وال أوه لالااه..
فقد احتلته بهيمنتها، وضلال سحرها، وقوة مفاهيم شكلها الصوري، المورّث..
لكني بلحظة إخلاص، ولا تعصب سألتُ نفسي سؤالا آخر: لمَ أجزع من رغبة صديقنا صاحب المشروع السينمائي، بالمحافظة على المكان الدمشقي العتيق، والانتماء للمكان الدمشقي الساحر الجمال؟ لمَ يحيرني، ويثير حنقي، وفضولي أن نرغب بالانتماء للجمال والحفاظ عليه، والمطالبة بتحنيطه، وحجزه في حالة تسمى الذاكرة؟
ثم استدعيت من "ذاكرتي " القصة التالية، التي ألهمتني بعضاً من إجابة..
كانت كاتبة هذه السطور مرة في باريس، أعرق عواصم الأرض وأكثرها كمالاً.. أذكر وصولي إلى أزقتها وحاراتها، وباراتها، ولياليها الغير منتهية، كانت عاصمة سياح، تكب عن أرصفتها آلاف البشر من كل الجنسيات، دون أن تبالِ، أو يتغير في إيقاعها شيء، لكن الدعية التي هي أنا، خبرت مرافقيها من الفرنسيين: "أنني أغار على عراقة هذه المدينة من السياح المستعجلين الذين لا يفهمون نكهة المدينة وأصالتها، وروعة معمارها، وبهاء زهورها، ونظافة أزقتها و.. إلخ
أصبحت ملاحظتي نكتة،"أنا الغيورة، صاحبة الحس الجمالي" كان تعليقي المغالي نكتة مضحكة تلقى في وجهي من الفرنسيين أنفسهم، عند كل اضطهاد تمارسه المدينة وسكّانها ضدي، أنا الطالبة، الفقيرة، الغريبة، العربية، الفائضة عن المكان، الدعية، الغيورة، الحساسة! وتتوالى الصفات النابذة من المركز، حتى الضواحي، من الشارع حتى الميترو، من المطعم حتى الرصيف.. وفهمت كل شيء، تعلمت الدرس الأقسى..
باريس التي لم تظهر بشكلها السياحي إلا في أفلام الأمريكيين، وظهرت في أفلام الفرنسيين كما هي، بفقرها، وبشاعة بيوتها، وبردها ، ورطوبة أبنيتها،علمتني سينماها، كما علّمتني الحياة دروسي الأقسى!
كلما اضطهدتك الأمكنة، نبذتكَ، اقتربتَ منها، وحاولت أن تحصّل منها القبول، فتكرسها، تكرسها بأخطائها، وتقدم أوراق اعتمادك لديها، بأنك الحامي، المحب، الموافق، المبارك! تخاف النفي، فتكرس بذل المنبوذ، أخطاء الأمكنة، لأنك الغريب، الغريب الذي لا يمون على مكانه، ولا ينتمي حقيقة للمكان، فينصّب نفسه حامٍ للمكان..
وبالمقابل فالمواطن الطبيعي، المنتمي بغير تبجح ولا ادعاء، يتصرف، كما تصرف الرئيس الفرنسي ميتيران! بروح انتماء حقيقية، أقر ميتران، وأصر ميتران ، أن تسير باريس بعمارتها، خطوات هائلة تجاه الحداثة والألفية الثالثة، فكانت منطقة "الديفانس" الزجاجية، الباردة "الريبوتية" ،المقابل الأكثر عنجهية، واختلافا،ً و تطرفاً لباريس الشانزيلزيه وقوس نصرها الحجري الحنون..
هكذا يتصرف أصحاب المكان في أمكنتهم عندما يمونون، ويحبون، وينتمون.. إنهم يتجرأون على الأمكنة، يفتتونها، يدرسونها، يقدمونها للحياة بروح جديدة، ويعبرون بها الأزمنة إلى المستقبل!
لكن هذا ما لم يحصل في دمشق، وفي أفلام سينمائي دمشق، كل هذا لم يحصل مع سكّانها، سينمائيها، وروائيها، وتشكيليها، مدعي الحب من قرويين مهاجرين إليها، وساكنيها من المدن الأخرى.. نبذتهم المدينة طويلا، فطالبوا بتكريسها! رمتهم إلى ضواحيها، فتغنوا بأزقتها المعتمة، ومداخل بيوتها المركزية الضيقة، المغمة! دمشق المعتاشة على كمال معمارها العتيق حتى النهاية.. ظل فنانوها وسكانها يمتصون سكر الأمكنة العتيقة، وبيصقون علقم العشوائيات، ويتغنون.. بلوحاتهم، وسينماهم، ورواياتهم وموسيقاهم بأماكن لم تفتح لهم ، إلا عندما أصبحت بيوتها مطاعم، وعمارتها، مقاه..!
ظلت دمشق تقبع كأيقونة وصورة مثالية لمكان تسكنه النوستالجا، ويقبع في الذاكرة..
مكان لم يناقشه أحد، لم يقترح له بديلا جماليا، أو حتى بديلا مكملاًً، فقد خافوا منها، وخافوا انتقادها، وفكفكتها، مناقشتها، وخوض حديث قلب وعقل، ووجدان.. خافوا منها، تنحوا حتى لا يوصموا بتهمة التخريب، لأنهم ظلوا غرباء عنها، فأبقتهم غرباء عنها.. في أفلام صرفت عليها ميزانية العام السينمائي الحالي، المحتفي بدمشق، غابت دمشق مرة أخرى، وظهرت الردة، الردة في الرؤية، والعتق المتحفي، المتخفي تحت عمارة سياحية، لم يعد يحتفي بها أحد سوى غرباء المدينة وسياحها، اختفت دمشق الحقيقة والواقع من مخيلة سينمائي سوريا، كما تعودت أن تختفي في أفلام معظمهم، ضاعت مرة أخرى فرص الطزاجة، وحداثة الفكر، والنوعية العالية المنتمية للحياة، ببحث عن أجوبة في خمسينيات القرن الماضي!
أين حقيقة المكان في السينما السورية، أين دمشق في السينما السورية؟ وكيف حكيت دمشق؟ هل ما ظهر في أفلام مدينتنا العتيدة هو الحقيقة؟
في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة، احتفى الجميع بالذاكرة، واختفت الحقيقة، اختفى الحاضر.. أحيل بدوره للذاكرة!
فلم يتجرأ أحد منا، نحن سكان تلك المدينة العريقة، على مناقشة المكان، تفكيك المكان، هجاءه، كراهيته، تحليله، أو حتى نقده، نقد عمارته،أو حتى تقديم البديل؟
فلماذا تم التعامل مع مدينة دمشق سينمائياً بتلك الروح المأّلهة، الرافضة للمسائلة؟ لماذا لم تتم مناقشة العمارة، والحياة الدمشقية بمنجزها الحالي، المنقسم ما بين البيت السياحي المندثر، الذي أصبح إما مطاعم، أو لوكشينات مرتجلة لمسلسلات الطهور، وحفلات الطلاق ، والزواج؟ أو القسم الآخر المغبر بفوضاه، وإسمنته، وبشاعة عمارته، وانعدام خدماته..
هل خاف سينمائيونا من نبذ آخر، وتهم أخرى، فكرسوا، ما لا يجب أن يكّرس؟ وارتدوا إلى خمسينيات القرن الماضي بحثاً عن أجوبة.. بحثاً عن دمشق؟



عبير اسبر

Abeer Esber

عن دمشق.. أو ما بقي منها
خالتي أم سمعان طلبت حضوري..
في الطريق المتعِب من دمشق إلى حمص، والطريق المفرح من حمص إلى الساحل.. لم يغب عن بالي الكتاب الشهير لغاستون باشلار "جماليات المكان" طوال الطريق المؤدي إلى بيتها.. بيت خالتي أم سمعان، راجعت بدقة شروط المسكن المقدس.. حيث امتلك البيت الذي تسكنه "أم الأمهات" كل المفردات المؤسسة للبيت الأول.. امتلك المركز وثبته بالشجرة المباركة، السدرة أجمل الأشجار وأكثرها إثارة لخيالات الروح، الحجر الأزرق الصلد الذي احتجز بصمته المكان، وهيمن على صوت رنين جرس الكبش الأول، يقود قطيعه عائدا من البرية، امتلك منزلها درجاً صاعداً نحو وجه الآلهة الأكثر حنواً، يعلو باطراد حجرا على حجر صعوداً صعودا.. والباحة الدائرية المكشوفة كانت "الفضاء" المكثِف للطاقة الكونية، ظلت منذ استدارتها الكاملة تبعث رسائلها إلى الله الرحيم..
وصلت "باب جنة".. وصلت بيت خالتي أم سمعان.. رصت صفوف الكراسي الملتفة مثل حلزون، اجتمعنا نحن الصبايا حول حدث حمل نكهة عطرة، نكهة الأحمر الكرزي، وطعم حلاوته.. حلاوة الفرح، كنا نحتفل بزواج آخر بنات خالتي أم سمعان.. نورما.. جميلتها التي لم تحبذ ضيق الصفوف الإسمنتية في مدرسة الضيعة، ولم تحد انطلاقتها بكتب المدارس.. فتركت بكل وعي، العلم والجامعات، للفاشلات أمثالنا، القليلات الحظ ، القليلات الجمال.. وانطلقت مثل الغزالة البرية، تقطف العنب، وتشعل الأعراس رقصا وغناء.. إذا كان عرس نورما، صديقتنا، حبيبتنا..
في وسط الباحة، والأوكسجين الباذخ، والغيم القطني غرقنا بالجمال.. ما بين الأهازيج، وصياح الصبايا، وخفة ظلهن، وصوت الضحك الصداح.. زهت بيننا خالتي أم سمعان، اشتعلت عينيها ببريق الفخر، وشفافية الفراق..أعلنت بكبرياء فطرتها، بتجاعيد وجهها الجليلة، ببياض بشرتها الحليبية، وهيبة طلتها، أعلنت أم سمعان خبراً أسعدها حتى هطلت دموعها.. خبرتنا: عريس نورما شامي.. إجا من الشام ليتجوز.. ونورما بنتي رح تعيش معه بالشام.. بالكّباس!!
ثم ختمت الضحكة المحرجة بزغرودة ساندها الكل بزغردتها.. وأنا الوحيدة التي تسكن في الشام غصصتْ !!
نورما في الشام.. نورما في الكبّاس.. هي مجرد حكاية..
حكاية بسيطة،عتيقة.. حكاية الريف والمدن.. حكاية الفلاح وابن المدينة! حكايتنا مع الشام..
لن أعود إلى نورما الآن، فقصتها واضحة.. قصتها قصة النقيض.. الصدمة، والتأقلم.. الوفرة، وعسف الموارد.. المساحة والضيق.. الهواء القابل للتنفس، والسخام الملتصق بالروح.. الحجر والاسمنت المغبر.. العمارة البسيطة المقدسة.. والعمارة الشيطانية لجدران من بلوك وأسقف من ألواح التوتياء، نشأت مثل فطور لا تقهر، تكاثرت اعتباطاً على أرض مهدورة، بلا إنسانية.. بلا خدمات..

حسناً حسناً.. أرى النظرة المستسخفة في عيون قرائي.. أرى السخرية، والهزء من سذاجة الطرح، وبراءة التحليل المقتربة من الغباء.. أرى هزة الرأس المتسامحة في أحسن الأحوال، والفهم العميق لوعي الواعيين.. هي الضريبة أيتها الحاذقة! الضريبة التي علينا أن ندفعها كي نسكن مدننا، ونعيش المدنية! أرى واسمع كل شتيمة يطلقها كل متهم لي بتأليه الريف المغلق، والنزعة الخبيثة لتريف الأماكن، وتخريب المدن المفتوحة، أرى الرعب في نظرة كل من يقرأ عن الجمال المضلل، خائفا على وجه حضارته، من طرح ساذج يعلن ويدافع عن الريف، عبر تكريس تقاليد التريف على أهل المدن، وعراقة المدن، وحداثة المدن، وبهاء المدن.. وعشوائيات المدن.. مدننا.. لكن للحديث بقية، والحقائق ليست دوما سهلة بسهولة الحكي السهل..
في إحصائية اترك تقديرها لوعيكم.. أعلن الخبراء أنه بحلول العام 2020 سيعيش نصف سكان القاهرة مثلاً ضمن الأحياء المخالفة.. ضمن العشوائيات!!
بكل الأحوال نعود لمدننا المقدسة.. نعود للشام، للقاهرة، للجزائر، للرباط، لمراكش، لعمان لكل مدننا المسورة بأحزمنة من فوضى، نعود لعشوائياتها ونسأل سؤالا آخر..
لم تخيفنا الأبنية المرتجلة، لمَ ننتفض من بشاعتها، واعتباطيتها.. وتداخلها المتاهاتي، الشيطاني، واندغام وظائف زواريبها ما بين فسحات للتنفس والشرب، والغسيل والاستحمام والتبول..!! ما الذي تستطيع تلك الأشكال الموحدة، البلهاء، المتقشفة للأبنية تعريفه، تكريسه، تقريره، صنعه..؟؟ هل تشبه البيوت أصحابها.. لمَ يزعجنا الفقر.. وهل هو عيب..!! هل هو مخيف.. هل هو مهدد للسلم؟؟ للأخلاق؟؟ يفتقر للحدود الدنيا للإنسانية وشروطها..
على كل سنحكي حكاية.. حكاية تخصني..
كنت من زائرات حي الكبّاس الأشد إخلاصا!! في كشكول تحديدا.. منطقة عشوائية بامتياز على الرغم من تموضعها في قلب مدينة دمشق ، تقترب من حي عريق هو باب توما مثلا، من العباسيين، من جرمانا.. نعود للكباس.. لكشكول.. إذ لطالما هدرت غير نادمة، ساعات طوال أمضيتها ضاحكة، من حكايا لا تحصل إلا هناك.. بوجوه من السنغال، والدير، والساحل، وحمص.. كنا نمر وأصدقائي بخليط ألوان ولهجات، وروائح، ودكاكين يطل أصحابها من شبابيك الغرف نفسها.. دكاكين هائلة العدد، تبيع الكحول الرخيص، والدخان الوطني والمهرب، والفاكهة الأكثر رواجاً، تبيع الجبس، وفي أحسن الأحوال البطيخ الأصفر!! نمر شلة كبيرة بالناس، نسلم على الجميع.. حيث يجلس الجميع على المصطبة المرتفعة سنتمترات عن أرض الشارع الموحل، من المياه التي رشت أمام البيوت، وتركت برك وحل، يجلس الكل عليها وحولها، أباء وأبناء وأجداد.. صياح يملأ الفضاء، يقتسمون المساحة أمام الدور، يهربون من الحر ، من شوي الاسمنت لجلدوهم طوال النهار.. طوال سطوع الشمس، ينتظرون المغيب ويشربون المتة..
في منزل صديق، يمارس الأحلام مخلوطة بالصحافة.. أمضيت بصحبته أوقاتاً ممتدة.. استمتعت بكل ثانية مع الأصحاب المنفيين من منازلهم، من أبائهم، وقراهم، وأهلهم.. كنا نسهر طويلا على السطح المشترك الذي تقطنه خمس عائلات، بخمس غرف متراصة، وشباك لكل منها.. حمامهم مشترك، مطبخهم مشترك، مشاكلهم، صياحهم، وثوانيهم الأكثر حميمية.. بالطبع مشترك.. صديقي المدلل كان يسكن غرفته وحيدا، إلا عندما قررت الوالدة الرؤوم، زيارته فجأة لمراجعة طبيب، ويحكي صاحبنا حانقاً، باكيا، ضاحكا، كيف شاركه كل أهل الحارة معارفه الهامة.. الغير مطلوبة،الغير مطالب بها، تشاركوا بألوان ملابس أمه الداخلية التي لم يحلم حتى والده بمعرفتها، خاصة عندما طار سروالها وحط على السطح الملاصق لمنزله، فوق دش الجيران.. ويحكي الصديق عن عرض أمه المهان، ولون سروالها الداخلي الأبيض العريض المورد بالأحمر القاني!!
ويصيح شبه باكٍ: لك فضحتينا يا إمي.. طيب على القليلة سكري الشباك وقت بتلبسي، ما بيكفي طار الكلسون.. وتبكي الأم التي اعتادت على المساحة، و بيوت بلا أبواب.. وعيون تغض الطرف..
"شو بعرفني يا إمي والله ما انتبهت!! الله يقطعلك هالبيت ما أوحشه !!"
على السطح المشترك، الفضاء الوحيد المتاح، كنا نجلس متلاصقين، يدخن أصدقائي النرجيلة، وأشرب ما أشاء، بالقرب من الحبق الذي زرعته والدة صديقي في طشت غسيل قبل أن تغادر!!
كان الضحك ينبثق من كل معاناة يعيشها صديقنا، ونشمت بها نحن!!
بفلوكلورية تعاملنا مع معاناته، وبالواو.. من المكان الإكزوتيك، المتحرر، والجارات اللعوب، اللواتي لا يتوانين عن فعل ما لا يفعل عادة!! نحتفل ببساطة الأخلاق، بانفلات الأخلاق، وانتقامنا من تربية الأهل، والبرجوازيات العفنة، والقيم، والمعايير، والبريستيجات، والصح والخطأ، والذي يجوز ولا يجوز!!
نضحك من شلة زعران طالما تربصوا لصاحبنا بالشبريات، هزوؤا من كتبه، وشنطة اللاب توب التي يحملها فارغة!! وكيف ضربوه مرة أمام صديقة اصطحبها وحيدة إلى غرفته عندما كان لديه موعد "تن تنى.. تن تنى "!!
يحكي صديقنا بحنق عن معاناته مع أخلاقيات المكان التي لم يعتدها.. يحكي عن جيرانه الذين زرعوا سطحه دشات، وخزانات ماء، ومازوت.. يعبئونها، يصلحونها مطلين على غرفته وحياته وتفاصيله، يسيرون بملابسهم، أو بدونها، وأجسادهم المعروضة أينما شاؤوا، في أي ساعة شاؤوا..
نحن نضحك، وصديقنا يحمر مثل فجلة بهية.. نتابع الضحك، وننظر تجاهه، خاصة عندما أطل جار له من الشباك، نازعا البلورة المرمية في وجه الريح على عجل، في ليلة باردة كانونية، مصححاً معلومة في النقاش المحتدم بين شلتنا، عن تقصير الحكومة في حل مشكلة الكهرباء المقطوعة، وأزمة المازوت الماضية.. وقف الجار أمام الشباك، مزيحا الستارة، محاطا بإطار الشباك المخزوق الشبك، بثقل ظل لا يغتفر، ظل يفتي مطلا برأسه الأشعث مثل القرد، من الشبك المعدني، الذي لم يتسع لصلعته عندما سحبها متراجعا عندما أنهى فتواه الكارثية شاتماً الظروف الدولية والحصار الأميركي..
نحن نقهقه وصديقنا العتيد يغلي من انتهاك الخصوصية.. وينظر تجاهنا كي نفهم، ولا نفهم، ونتابع..
حسنا لا زلنا في الضحك.. خاصة عندما ستصل نورما إلى الكبّاس، قد تزورها خالتي أم سمعان، أو لا تفعل.. قد تضيّع سروالها، أو لا تضيعه.. قد تضحك، أو لا تضحك.. لكننا نبقى في السؤال الأول.. ما الذي يخيفنا من كل ما قلنا وحكينا، وشرحنا.. ما الذي يخيفنا من الفوضى، وسوء الخدمات، والانفلات، والفقر؟؟
حسنا لا إجابة لدي.. سؤالي أضعه بين يديكم..
أنا ضحكت.. ولأننا ضحكنا، لا يبقى لي سوى السؤال.. خاصة أننا نسينا في حمأة القهقهة أن نتكلم عن ثقافة مكان تبيح بلامبالاتها لواط الأطفال، وتُمارس فيها كل أنواع الرذائل، وتسهّل فيها كل أشكال الدعارة، ويُنتج فيها العنف والجريمة مضاعفين، والتطرف الفكري والديني والاجتماعي أضعافا مضاعفة، نسينا التحدث عن الضيق، والأماكن الخانقة المكتظة، نسينا الحديث عن شراسة أنواع من الكلاب، مزقت بعضها عندما جُمعت في مساحة ضيقة، وازدادت شراسة مع ازدياد عددها، وضيق فضاءها المتاح..
ضحكنا ونسينا أن للعيش البشري شروطاً أخرى.. نسينا حديث الريف والمدينة فقد ضاعا الاثنان.. فُقدا الاثنان .. فُقد الجمال.. ضاعت الصفة، عجنت الأشكال والهندسة والعمارة بالقذارة والمجارير المفتوحة والكهرباء المقطوعة، وندرة مياه الشرب.. ضاعت المدن، وصفات المدن في خلطة بشعة مكونها الرئيسي والوحيد هو الفقر.. ونسأل مرة أخرى وأخيرة هل هو عيب.. هل الفقر عيب!!؟؟
للإجابة ندعو المهتمين للسكن ولو مؤقتاً على أطراف مدينتا الجميلة المسورة بالعشوائيات.. ندعوكم للسكن في حي الستة والثمانين العتيد.. وللحديث تتمة..
عبير اسبر

Thursday 10 February 2011

شام معلف

تبحث عن الشام بعد كل هذا الطواف اليوم إذن دعنا نلحق تلك الحشود الملونة في أزقة دمشق القديمة ليس مطعم الوجبات السريعة الذي يعرفه الجميع أمهر من صنع صندويش ( الإسكالوب) في المنطقة العتيقة ـ ذاك الذي طرز واجهة المحل نقوش بيزنطية حديثة بالدهان الأصفر الفاقع دون حتى أن يدري أنها زخارف من تلك الحقبة بالذات؟! لا يهم طالما أنه يحرك السياحة في البلد ،بل أقصد الشام داخل السور العمارة.. القيمرية.. ، القنوات،.. باب توما باب رسول السيد المسيح الذي جاب هذه الأزقة مع القديسين والعلماء والرحالة والفاتحين على مر التاريخ .. الباب بقي مفتوحاً على مصراعيه ، بينما أقف في منتصف الطريق أفكر باستعادة هؤلاء بصرياً على الأقل في خيالي ،معرضةً نفسي لخطر الدعس والفعس تحت أقدام المتسربلين من كل مكان أجانب وعرب متأجنبين، مباشرةً إلى البارات ذات الطراز الشرقي وأماكن البوب في البيوت القديمة ومحلات الشاورما محلات( الدفيديات) المقرصنة البطاطا المشوية على الطريقة التركية وبيت (الغوفر) البلجيكي وسط الشارع المستقيم ... لا أستطيع أن أحدد إلى أي درجة يجوع بها بعضهم حتى يمرون من أمام سبيل الماء هذا دون أن يقرأ أحداً أنه بني على روح( سيف الدين جقمق)..

تبحث عن شامك بعد كل هذا التعب ولا يتسنى لك الكسل في التكية السليمانية لأنه منذور لراحة السياح ، ولهذا تم وضع هذا السور الحديدي القبيح بينك وبين مشهد القباب المتناغمة مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة السور الحديدي الذي وضعته وزارة السياحة بينك أنت ابن البلد وبين البحرة الواسعة في قلب صحن التكية فقط من أجل راحة السياح .. فأنت من أهل البلد .. لكن مهلاً أنت الأن في باب شرقي فعن أي بلد نتحدث ؟! !
شام محل مطعم يعرفه معظمنا يعزف ألحان الجاز بينما تجلس على كرسي مصنوع في إيطاليا وتفكر بتناول وجبة (كوردون بلو ) ، ليست شام محل محي الدين ابن عربي الذي جاب الأزقة باحثاً عن النور ، الكبريت الأحمر الذي لم يزل له في كل حي وزاوية مجلس علم وتصوف مع سائر فقهاء دمشق.. الأمر يبدو كما لو كانت ثمة قطيعة تاريخية رهيبة بين الشامين ..

من جهة أخرى ألا يتوجب على صاحب المكان الأثري في الشام احترام تلك الخصوصية الروحية دون أن يغرس أمام الزائر أرجيلة بمعسل التفاحتين وكأس شاي ليبتون كي يستمتع بنفث طعم الأستشراق على الجدران الأصيلة لأنه يدفع الفاتورة باليورو أو بالدولار؟!.. لكن مقترحاً مغايراً بأن تبقى هذه البيوت على حالها للتأمل والإستكشاف أو القراءة سيبدو مشنقة إقتصادية بالنسبة لأصحابها مع عدم اكتراث واضح من قبل الجهات المسؤولة ليس بعد أن فكر وزير الثقافة باستغلال ساحة المتحف الوطني لإقامة الأعراس والموالد وحفلات الطهور المحلية ..!
في المقابل ثمة تشريعات خاصة تمنع العبث وابتذال التاريخ كما يحدث في دمشق اليوم و تم اعتمادها من قبل المجلس العالمي للمعالم والمواقع الأثرية خاصةً اذا ماكانت ذات أهمية مرتبطة بشكل مباشر أو ملموس بالأحداث أو التقاليد أو الأفكار أوحتى الأعمال الفنية ، وعلى هذا أتمنى أن لاتزور لجنة كهذه البيوت التي صارت مطاعم خمس نجوم ويشاهدوا بأم العين كيف يسكب الزيت الساخن في المجاري الصحية التي ربما بدورها تعود إلى العهد الروماني ؟! وكيف يخدمهم( بيت جبري) بشكل لائق وعصري للغاية ..
في المقابل هل يفكر العربي الذي يتجول بمتحف اللوفر بنصب أركيلته العربية أمام وجه فرانسيس الأول للفنان الشهير (تيتان) كنوع من الغربة المضادة ليست كتلك التي علمونا إياها في كتب القومية المدرسية بل غربة ما تشبه رحيل الدمشقي الأخير من طلعة القشلة ...
أخيراً يبحث أحدهم الذي يرغب بتحويل بيت خالته المتوفاة منذ زمن بعيد في باب توما إلى محل فلافل وحمص عن اسم لافت للمطعم وبعد نظرة بانورامية إلى هذا الخليط العولمي الهجين وعربات السوزوكي المحملة بالباذنجان والكاتشاب مع من أصابتهم لوثة الشرق الجديد .. وأقترح عليه بأن يسميه ( السرفيس) بينما أتكئ على حائط متهالك من العصر البرونزي ..أفكر بأغنية شرقية جداً .... غريب الدار علي جار ...

منطاد هائم أمام قمر في البرية

الرأس الذي هو منطاد ولنقل أنه أصفر أو منطاد أزرق أو بألوان العلم الفنلندي ، لن يسرع كما تعتقدون أنه سيفعل يوماً ما وتنصرفون براحة ضمير إلى أعمالكم .. ولك يا عزيزي أن تسأل كما أسأل نفسي في هذه اللحظة ماذا تفعل الأعمال الكاملة لل(الشابي) إلى جانب وسادتي منذ سنة ربما أكثر ؟! في الحقيقة لا شيئ .. المهم أن رأس كالذي أملكه هائم على وجهه فيتعثر ويقع في فخ الأوزون .. ، كلكم تعرفون ذلك وأنا أيضاً بالتأكيد .. امشي إلى الفخ بكل سعادة بتأثير الضباب الدخاني الذي يبقى معلقا في الاجواء لأيام عدة.. رغم الكيمياء هذه أنا اتحدى نظريات التلوث الموجودة على سطح العالم منذ قرون

والقرون التي ظن معظمكم أنها محارم ورقية من حفلة جنس قام بها الملائكة فوق رأسي هي ما انطح بها كل شيئ وثلاثةوعشون راكباً في السرفيس من أجل مقعد في السرفيس ولو جفت دمائكم لما تخليت عن هذه الدائرة ليس حباً بالأمكنة ربما العادة فقط أو ان لا يمزق احداً كل هذا السكون التي أظن أنه مقدس ولو ركضتم جميعاً إلى فوق التلة سأبقى ممتدة على المنحدرات احلم بثور سماوي يثقب هذا الأنتفاخ من خاصرته حتى يفاجأكم بالهروب عكس السير

ومع السير أنا معكم .. سومرية في حدا نازل يضربني سائق أزرق بهذه الحصوة في القلب تجرح

وفي القلب لن أتعب نفسي كل هذه اللغة فاسدة كما لو كانت قطرميزات مكدوس من السنة الماضية .. وحتى لو صرخت باسمك في شوارع ريفية لن أساعد قلباً على ايجاده للغة تفسر له انه وقع في الحمى وكما حلاق الملك الحزين احفر في الرياح اسمك فيجعلني اغشى من الضحك كما لو كنت تلك المعلمة الأمريكية في احدى ضواحي نيوجيرسي التي تزوجت أفشل طالب عندها في الصف.. اسمك الذي يضحكني وقعه ارتديت من اجله حروف بيضاء وعلى سبيل الهواية رحت أسأل في قريتك البعيدة صاحب الدكان : هل تعرف أين يقع بيت الكاتب المعروف فلان الفلاني ثم لمحت حائطاً منهدماً فقلت ربما كان هو طفلاً يشبه إلى حد كبير القرود الصومالية يسرق تفاح أخضر من بيوت الأغنياء وتسلق حافة هذا الجدار



الرأس الذي هو منطاد يفكر بالجلوس على الشبكة يومياً لأن ستين خنزيراً سيتعرقون بالقرب منه في الشارع كما نفذ التاتش منذ أشهر ..، ولأني اشبه (رائد) في الحاسوب ، سأغتاظ حين اراه يضرب بأزرار أكثر من )Alt) ,(shift)

ماذا يخطر في بالك ؟ قمراً فقد في البرية .. أو ما يخطر في كس أمك أيها الفضاء السافل ولأنك مجرد ارقام وافتراضات عملية نجحت حتى الآن لا تيأس مني يوماً ما سأخبرك بما يخطر في بالي ، وما ذا كان يريد من أثداء الأخريات على سريري في غيابي ولماذا يسحبني في كل مرة من قروني التي هي طاولة الملائكة المقلوبة أيضاً حتى يخرج دمي ويعاين درجة غليانه فقط ثم يسلخ عني تلك الألوان جميعها ولو ثقبت جميع الإتجاهات لما تأكدت إلى أين سأهرب منك /

ماذا تريد هذه البيوت الأثرية في جزيرة كما اشتهي من مراقبة منطاد ولماذا تجلسون جميعاً , وتقولون أصفر ... أزرق وأسود.. احمر وخريفي أمام منطاد هائم ومنفوخ بذاكرة الوديان

النوم عاشق مغدور

النوم هو الرجل الوحيد الذي يعلم أني سأصمت للأبد إذا ما سمعني إلى النهاية .. رجلي الوحيد يصدق أن السيارات هي التي تخشى مني وليس العكس .. رجلاً لا يصنع من قطرات دمي شبكة وعناكب يغلق الباب وراءه بهدوء ويغزل رمشاً على رمش كما اغنية سعيدة .. أقول للنوم اني لم أكذب على احداً وأني أمد ذراعي دائماً للحب فيأخذ رأسي إلى رقبته .. ، رجلي الوحيد يسمح لي بالعبور من جسده كمسيح مبهم على الله ، النوم هو الرجل الوحيد الذي صدق أني رأيت قرداً بنياً في شجرة التوت .. وإني طيبة لكن لا أحسن التصرف فقط ، لكنه يطلب مني ان افعل كما فعل القرد ...، يعلم النوم أني لا اتنفس جيداً في النهار فيطلق لي رئة حرة للطيران ..، ويصدق أيضاً أني لا أثمل بل اصطنع ذلك وأني رأيت أصابعه تنقض على فخذ صديقتي واني لم افتعل دعابة حين هددت بإلتهام عينيه الجميلتين من قبره ، رجلي الوحيد يشهد أني أكلت عينيه حقاً وهو حي ويلهث ..، النوم رجلاً أعشقه ويستحق ذلك يتمنى أن لا أذهب إلى القبور لوحدي فجراً ، وهو متأكد مثلي أنهم يعيشون لكنه يتلعثم حين أسأله عن الموتى الحقيقيون ...، النوم رجلاً شديد البأس يعرف أن الألم في قلبي له صدى رتيب وممل ..، لذلك لا يمل من أوامر جسدي حتى لو قفز فوقه دون أن ينظف اسنانه وبثياب السهرة الخائبة ، ولأن جسدي وقح للغاية سيبصق في وجه النوم لأنه لم ينظف أسنانه هو ثم سيرفض المعاشرة الزوجية ... النوم رجلي الوحيد ...يعلم أني أحتاج إلى الإرتماء بين ذراعيه كل الوقت ..، ومع ذلك أتركه جثة باردة في السرير وألحقك أنت بين السيارات السريعة ...

عندما كنا الحيوانات

حين كانت هذه الجغرافية نيئة .. ، كانت الخرائط في القارورة لم تسكب بعد ، وكنا وحيدين في هذا الفراغ مجرد يتيمين بأرواح تتوق للتسكع فقط ، البشرية التي خذلتنا سويةً ما يكفي ستين زمناً لمجرات متشظية في سماء غريبة ، كما يحلو لنا أن نتخيل قبل أن تنهي أنت زجاجة النبيذ هي ذاتها لا تتغير بشرية لا تنفع على الإطلاق ، ولا تتقن حتى اجترار آلامها الجمعية ، لذلك أرى أني أستعين بالحيوانات التي لطالما تبادلناها كشتائم غالية على القلب ..

لكن عندما كنا ..، كنت العصفور الملون الذي ينقر تفاصيل علاقاته العاطفية على أنفك دون اكتراث وتغفر له أنت السمكة باللون الواحد لا تحل بالماء أو التراب، وأنا عصفور عابث يسعد بالدود يتقلب بمرارة في بطنك الجميل، قصة الحيوان لماذا لم تفكر بها على هذا النحو ؟.. حسناً فهي حكاية تناسبك أكثر أنت رجل قذف إلى الثلج ليلاً و كذلك إمراءة حبست في الظل ،

حين تشبثت أنا بما تبقى من حشيش يابس كنت أشبه أي شيء أغتيل في الغابة ولم تسعه أكياس الصيادين ، بينما كنت أنت ،التيس الذي انتحر في العتمة ، لكن عدنا ثانيةً بعد أن حصد الجميع حقول المرارة بصمت ورحلوا بالخيبة ذاتها ، خرفان نلتف حول بعضنا بصوف الحنين تنتظر بأسى جزار الوقت فقط ، وهاهو جزار الخرفان الممتلئة بالذاكرة يدق باب حظيرة الحزن هذه ولا يرى أحداً ، كيف حدث أن يفقدنا الحزن هذه المرة ..لا أعلم ..

ثم رأيتك تتمشى في زمن استوائي حار جداً فجئت إليك سعدان مراهق افصفص على شعرك حكايتي مع غوريلا خارجة من كهف قريب ...، فكنت القرد الذي قلب المكان على رأسي وهذا بالضبط ما ضيع علي حكمة الأسد التي تدق بضراوة في قلبك ، فمن كانا في ذاك الزمن مثلنا؟! قرد يخلع الأقنعة كلها عن وجه أسد ، حينها كان علي أن أعلم ، أنك لست من لحم عشيرتي فوق شجرة الضباب ومجرد قر صغير يطمع بجنسية ملك الغاب ، سأتمهل أزمنة صحرواية حتى أعود إليك حمارة ناضجة تجرأ على سؤالك لماذا تحتاج إلى عرش انت تملكه سلفاً?! تحتاج إلى هذه السذاجة مع القهوة الني نحتسيها بهدوء غالباً ، تحتاج أن أقول أنت حبيبي ملك الغابات كلها ، ولا انتبه إلى الدموع التي وقعت على صحن فنجانك ...

، مع مواسم العنب كنا الأرانب التي شربت كثيراً من البيرة في جميع بارات الشام القديمة ، تنظر فلسفياً أقصد في حق ممارسة الجنس بإنتظام وكثرة وعن أسبقية الكثرة على الإنتظام ، ترى العكس ، أخالفك الرأي وهكذا .. فهل انتبهت أحواض العصر المرحة فارغة اليوم و تنتظر عنب هذه اللحظة ؟!...

ثم ها نحن ،نعود إلى بيوتنا البعيدة، مجرد أرانب تنسى أين وضعت ساعات اليد ، كما نسيت أن عليها الإنجاب الآن ..

في المكتب أشعلت أنت الضوء الخافت وبدأت تستمع إلى (شوبان) فعلاً حصان جدير بالسكينة يطرق بابه كلباً ركض دون توقف يحمل قلبه الأحمر القاني فوق سيقان عوجاء ويبكي أمامك بلا دموع ينبح إليك دون نباح لكنه يصمت فجأةً حين يراك تصفع الموسيقار الشهير ثم تفتح النافذة ..،

وهاهي روحي تنتشر من نافذتك قطيع كامل من العنز البري على سفوح الغيم يمضغ من سم الكينا الخطأ ليس إلا ..،

كما حمار لم يتمكن من السقوط لا تفعل شيئاً سوى أن تقف في منتصف الطريق هذه هي عادتك أيضاً، لكنك عدت أخيراً من زمن الطوفان فيلاً يمتلئ بتفاصيل السنجاب الذي ارتدى نظارات شمسية و هو يتحدث عن العمل والمغامرات الصغيرة تحت سقف المقهى الشعبي ، فيلاً خشي احد دبابيس العبث كما تفعل السناجب الخرقاء ، وذهب يبعثر مياه المفقودين وهو في غاية الوحدة..

من أجاب على هاتفك الشخصي ولم يحول لك المكالمة عمداً هي أنا القطة التي ذهبت تتلهى بكرات الأخرين تحت الأقدام الرسمية دون ان تكترث بجدول الشهر ومكالماتك الضرورية..،

لكنك كنت سنجاباً أيضاً في هذه المرة لما فتحت الباب قبل أن يقرع ، تتحدث بحماس عن قبعات طائرة فوق سريرك تنثر الحياة وزرق ذهبي صغير يبحر بك بعيداً ، حينها أصبحت الزرافة وأنا أقلب المجلات على طاولتك ..زرافة تفكر سراً بالبحار التي تلائم أكثر قارب مثلك صنع من الخريف ..،

اليوم أخرج رقبتي وأنا مرتاحة الضمير من مدن المكاتب الرسمية الرسائل القصيرة الرياء الإجتماعي وأوراق التعامل اليومي ، حتى أنتظرك في جغرافية لم تنضج بعد إلى حين زمن الشتاء القادم .. أنتظرك على هيئة أيل غريب عن المناخ يحمل إليك الألعاب التي حطمها أطفال مجانين من كل أنحاء العالم ...

ربما تجيء أنت على هيئة رجل المكعبات اليتيم ....

ليس المكان ثمة ما يصلح للحب

يست الأمكنة التي مررت بها ، هذا اللسان الممتد إليك وأنت تقف في الجهة المعاكسة تماماً ..، إسمنت في إسفلت ، أنت الوحيد الذي يحسبه عيون من أحببت تضحك وتذرف دمعة جراء نكاتك السخيفة ، أنت فقط من يحسبه شريط جوربها الشفاف حين هبطت وسط الزحمة بذاك الفستان القصير ، في أكثر أحياء دمشق تطرفاً .. يال الحماقة ، لا تشغلني في هذه اللحظة حماقة الفتاة التي إتصلت بك كل ليلة حين كنت في (دبي) كما تقول ، أضع الكأس من يدي على طرف الطاولة في البار القديم وأفكر إذا ماكان هذا المكان يصلح للحب ..،

هل كنتم تسهرون في هذا المكان حقاً ؟

نعم على الأغلب ..لماذا؟ بماذا تفكرين ؟..

المكان يصلح للحب بالرغم من اليأس العام هذا ما أفكر به حين تطرح هذا السؤال بشكل مفاجئ عادةً..، لو وضعت ستارة ذهبية هناك ،وسمكة خضراء في إناء على شكل حوت يبتسم ..هذا يتلائم مع الأرض التي فرشتها بالحب أبعد هذه الطاولات جانباً وضع المزيد من الوسائد الوثيرة ...، افتح حقيبة الخيبات الثقيلة وطلع طيف تلك الأنثى ، هكذا تنتقم مرة واحدة من خيبة واحدة في كأس واحد واحتمالات كثيرة للحلم ..، أنت الذي ستقضي ليلتك وحيداً على كرسي واحد في بار فرغ للتو من رواده ..

الإقتراحات التي لم أشاركه بها الصديق الذي يظن أنه فارس الحركة الرومانطيقية في أوروبا القرن التاسع عشر ينافسه وودز ورث في قصائد لا تقوى على الإطاحة بقلبه مهما حصل ..

هي ما تجعلني أفكر بممرات باب توما وأنا أغادر مسرعةً إلى البيت ..، الإقتراحات الفخمة هذه لا تناسبني وتلك الأزقة لا تصلح للحب كما هو شائع عن ماذا يتحدثون ؟ إنها الأزقة التي بكى فيها محي الدين بن عربي ربما وهو يبحث عن ناره الضائعة..

لا تصلح سوى لقول الحقيقة ..

السرير في غرفتي هو الحقيقة أيضاً والشاهد على دوامة الفودكا مع البيرة المكسيكي في رأسي ، أرغب بأن أبعث برسالة إلى احد ما .. سريري هو الحقيقة الخالدة )

ولا أفعل بالطبع ..، لكني أقطر شيئاً فشيئاً كما جدير بكحول صرف أن يفعل بالنهاية إلى داخل حلزونات الذاكرة حافة الرصيف بين الشجيرات أمام باص مليئ براقصات الباليه الصغيرات يتجهن إلى الدرس الأول ما يناسب تلك القبلة ..

كافتيريا رخيصة تجت الأرض ..، غرفة البوفيه بحجم متر ونصف لا أكثر ..، حديقة الطلائع تحت سماء رمادية تحتقن ولا تمطر رحمةً بكيس السندويتشات الساخنة

حديقة كلية طب الأسنان أراها اليوم السرير الأحمر حديقة خضراء ..أم سرير أحمر لا أعلم ؟!

غرفة الملابس في المسرح القومي .. حمام بيت أحد الأصدقاء



في الصباح أستعيد في ذهني بينما أتوجه مباشرةً إلى العمل ، مشهد الشاب الذي أعرفه يقف عكس الشارع يغمض عينيه ولا يتزحزح أبداً ثم تمر شاحنة يخرج منها عمال تصليح الطرق يغرسون بالقرب منه لافتة تقول : عذراً للإزعاج .. تحويلة طرقية ...

حسناً تستهويني هذه اللعبة الذهنية التي أخترعت أقصد التسلل إلى غرف نوم الذاكرة والعبث بأثاث الحنين بعض الشيء ..

غرفة الملابس في المسرح تخبرني أني أجمل من أزياء مسرحية (حكاية جيسون وميديا) ..كلها

الآن أنت من ترتدي تلك الفساتين الجميلة .. أنا أقف عند الباب أدخن سيجارة وهذه المسرحية بالذات ما سأنبشه من أرشيف التلفزيون حين يتسنى لي ذلك

الكافتيريا في البرامكة ..سنرتادها سويةً نجلس على أحدى الطاولات هذه المرة إيدينا فوق وواضحة وتظهر للعيان..

غرفة المكتبة في الجريدة التي أعمل بها تناسب أكثر ظهيرة قلقة أتمدد تحت رفوف الكتب أتأمل الأحذية العسلية جيئةً وذهاباً ....

لا ... لا .. هذا المكان لن يصلح للحب

حمام صديقك الرائع نظيف ومناشف الوجه على ما يرام .. لأني ما زلت أدردش مع أم الفتى

لكن ماذا لوقلبنا قوانين نيوتن بشأن السرعة والحركة كانت ستنسف تلك الغيبوبة بكل تأكيد وبمعادلة رياضية بسيطة كنت ستدخل أولاً إلى الغرفة بحجم عبوة الغاز المنزلي

والآن عالباً ما أقدم فنجان القهوة ذاك إلى نفسي كمكافأة ذاتية في سنوات العقاب الطويلة

الشاب الذي يعاكس الطرق يدير رأسه أخيراً .. إلى اليمين يجد فتاة ترتدي معطفاً أبيضاً وتمنح ظهرها لشجرة ..

ينظر إلى الشمال يرى عجوزاً يغطي عينيه بوشاح مهترئ أمام أربعة عشر بناية ..

بالطبع ليست الأمكنة .. وليست الأزمنة .. ربما هو الأسى

سقوط حر عكس اتجاه المطر

يوم ممطر أخر ويملئ الوحل هذا العالم . وحل وسط هذه الجزمات العالية بضاعة المطر الرائجة في حوانيت البالة ، الثياب والأحذية التي منحتها لنا سلالات الماء والعشب الطازج ، يصاب ركاب السرافيس بالزكام أيام المطرونسمع جوقة السعال في قبر المواصلات العامة سعال وبلغم متورم كما لو كان نباح جماعي متعدد الأصوات يهطل المطر تثقل خطوات الناس بفعل الرطوبة لكن هذا الثقل بالذات ما يجعلني أؤمن أن معجزة الطبيعة هذه تحصل فقط على زجاج سيارة أبي، الماء سقط على السلالم القصيرة وها آنا أتلقى جافة كخشبة طافية الخبر الحزين .. لقد قتل رجل تحبينه وفقدت جثته في العراء الجاف أيضاً ... نظرة أخرى إلى النافذة أمامي .. المطر لا يهطل هنا أو على عينيه المفتوحتين بشهقة إلى الأعلى



وقعت المعجزة على بيوت الفقراء كما لو كانوا بحاجة إليها ، وعربات المازوت وليس من اقتراحات تلوح بالأفق لمعجزات إضافية عن نيران تخلق بالمجان ..، في بيته كان ينام عارياً على سرير رطب ، أجلس في الزاوية أراقب تفسخ الجدران قطعة على شكل مثلث من الدهان الأزرق تتمزق خفيةً عنه بالقرب من كتفي الأيمن أمد طرف إصبع فتقع على الرقبة مع أنغام المطر المتصاعدة في الخارج

المطر لم نراه ... لكني استعدته كله تحت شمس صيف ما أمطاراً استوائية قسمت الكرة الأرضية حينها إلى المنتصف ... صحرائي أنا ومياه الغائبين...حينئذ دخلت في السبع سنوات عجاف يليها سبع سنوات جفاف.. وهكذا



في منتصف أخر ليلة شتوية حارة أتقلب على رأس الشمال أسعل سعال ديكي ، رأس اليمين يكون بالقرب من الحائط عادةً أسعل كما جراء سوداء ضاعت في العتمة ، في اليوم التالي سيخرج كل القيح رماداً يشتعل ، نظراً لعدد السجائر التي أدخنها كل يوم ما الحل ؟! لن أبحث طويلاً فقط أتأمل الماء في الخارج افتح زجاجة النبيذ عند الساعة الرابعة والنصف ، أخط على البشرة بأظافر لم تشذب البتة ممرات بيضاء الألوان السمراء خلقت جافة بالطبع لكن في الداخل خطر لي كتابة أسماء العشاق كلهم ،و سرعان ما شربتها رمال البشرة المتحركة . اسمي في المعجم القطعة من الجبل ..عند الساعة السادسة والنصف .. ركنت زجاجة نبيذ فارغة إلى الأسفل



قبل المطر بلحظات كان عجوزاً بشفاه متشققة يبلل بصعوبة ورقة تبغ لف يجلس تحت شمس الظهيرة ضمن سهل يبدو مترامي الأطراف .. ثم طفلاً يمشي خلف بضعة خرفان وإمراءة على وشك الولادة حين تفجر رحم السماء وهطل ال.... ماذا يجب أن ندعوه هنا ؟! في جغرافيا حارقة كالتي هنا شيئاً ما يجب أن يقترب من شراسة جو الشمال وقسوة البدو الرحل ... سقط الفجور على الأرض .. صرخ رجل شق ثوبه بوجه الرعيد بالتزامن مع صرخة المرأة التي سمت بنت سوداء ونحيلة للغاية .... مزنة



في إتجاه معاكس لفوضى الخيام المتطايرة وهلع القبيلة ثبت بدوي أعمى بساط وصندوق خشبي عتيق ،عدة أغطية ووسائد ثم ثبت صبي صغير على ظهر ناقته مشت زوجته وطفل أخر خلفه وغنت المرأة على كل الدروب رياح سوداء ..

كما لوكانت تغني الطوارق في المغرب .. هذه إحدى قصائدهم

فوق الخطر دون الوصل نشفت الريق ، وحبل اللقا لو ما رعته ثنيته

البعد شلفي ذياب وسم الصناديق والقرب يرفي الجرح لو ما هنتيه



انام من طول السهر وأرجـع افيـق// واجمع خواطر ليلـي اللـي سريتـه أبيات فيها مـن قصيـد العشاشيـق// وابلغ منه واصدق من اللـي قريتـه انفسروها قلـت مـن غيـر تعليـق// وان بينـت لـي بـن عـم ونخيتـه ملفـاي مقـدام الوجيـه المطاليـق// اللي ليـا مـن دبـر الوقـت جيتـه ماهوب ملفق حولي الهـرج تلفيـق// فـي لازمـي لارحـت يمـه لقيتـه...



السهل غادره الرجل والأنهار استعادت منسوبها القلق لكن التوجس أصبح من صفات الغبار الذي مازال يلهو إلى يومنا هذا ، أما الوادي بالقرب من الخيام اعتادت العشيرة على التبرز فيه ، أعوام تمضي يجف فيها الخراء على مهل ..



احدهم يكبر انفه حين تمطر يقول لي هذه الأيام اللعنة متى ينتهي هذا الإحتباس الحراري ؟! صبية جميلة معي في العمل ترتدي فساتين شفافة تقول .. اشتقت للمطر ...، شاعر توقفت قصيدته عند المنتصف أيضاً يقول بكثير من الأسى المصطنع .. متى تمطر الغيوم العاهرة ..

الأخاديد حول عينيها جدتي أصدق من هذا الهراء ، ولا شيئ في عيون من أحبهم يشبه الماء أو المطر ..



على طرق مقفرة سأمشي وحيدة أشرب بهدوء فودكا مثلجة في عبوات خضراء أو زرقاء ، أحقق شهية الكثيرين حين أنزف سراً هكذا .. أخون سلالات الصحراء التي أنتمي إليها.. وأفكر بصلاة الإستسقاء.. وطقوس المياه



، ذات مرة أنهار سد مأرب وطردت المياه قبائل كثيرة شر طردة إلى أرض السواد لماذا سأكترث إذاً بالمطر ، كذلك اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى نهر الفرات الحكاية أنهم مانعوه لكنه خلص إلى شربة من الفرات فرماه رجل يقال عنه حصين بن تميم في حنكه فأثبته فانتزعه الحسين عليه السلام في حنكه .. فار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا ودعا عليهم دعاءا بليغا قال فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى إلى أن مات

لكن رواية أخرى تقول أنه صار يدق أبواب الكوفة يسأل شربة ماء لاهثاً ينادي عطشان يا أهل الكوفة... فأغلقت النسوة الباكيات على حاله الأبواب في وجه سيدنا الحسين ومات عطشاناً وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك حسب ابن كثير الأبيات التالية جاءوا برأسـك يا بن بنت محمد مـتزملا بدمـائه تزميـلا وكأن بك يا بن بنـت محـمد قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولم يتـدبروا في قتلك القـرآن والتنزيلا ويكـبرون بأن قـتلت وإنـما قتلوا بك التكـبير والتهليلا



فكرت بشكل معطفي حين يتبلل . ..هطول الكلمات في قصيدة وهطوله علي حين يجيء في يوم ما عكس اتجاهات المناخ يجيء إلي بكامل كربلاء روحه كما يستحق انتظاري و كما لو كان هو حفيد الحسين المفقود في أرض الجنوب ، سأجلس على مقعد في حديقة عامة حين تمطر نظرت إلى فوق خيل لي حينها أني أنظم مظاهرة ضد السماء .. يحملني أحد الرفاق فأهتف : يسقط المطر ... تبكي الجموع ورائي ... يسقط يسقط ... مهلاًً لا يا جماعة أقصد .. يسقط...

فندق الرجل الميت ..

لعل الماركة ومالها من أثر على الحراك البشري، وعلى الاقتصاد العالمي، يتضح جلياً مع كل اصطدام بواقع الصناعة المتردية. وقد شقت صناعة الماركة طريقها في الغرب وكانت لها اليد الطولى في السوق الأمريكي، والذي يعتبر صانع الماركات والمسيطر الأول بدون منافس له.

لم يكن لهذه النزعة وجود في المجتمعات العربية، ولم تدخل حتى في استراتيجيات التسويق لصناعاتهم و زادت حالة الانبهار بالماركات العالمية، مما جعل أسواقنا غير ذات فائدة في سوق صناعة الماركات. هذا ما يتجاهله أعضاء لجنة تمكين اللغة العربية التي تشن حرباً ضروس ضد المحال التجارية لإجبارها على إما تغيير اسم المحل نهائياً وتحويله للغة العربية أو تعريبه بشكل جزئي، أي وضع اسم المحل مع نظيره بحروف عربية.. لذا يقترح عليك أحد أشد المغالين في اللجنة أن تمشي في الأسواق وأنت تتأمل أسماء المحلات العجيبة، رغم أنك مازلت في البلد ولم تزر بلاد العجائب حتى الآن. هكذا يتحول (stefanel) الشهير إلى (أزياء النشمية)، تشتري بنطال الجينز من الرجل الأنيق الذي لم يخرج من دفتي روايةً ما، بل تمتع بهذه الصفة حسب مفهوم أبو أحمد الشخصي صاحب المحل للأناقة..! تدور ثلاث دورات قبل أن تدوخ وتجلس في مقهى الدوار الذي كان يدعى (elgora).

قبل قرارات اللجنة، ربما ستقصد اضطرارياً مقهى الروضة لأنه أشد أصالة ولا يثقل على هويتك العائمة على واجهات المحلات المقترحة من قبل الرجل حامي حمى لغته العربية.. رغم صراخ آخر يمتلك محل صوتيات (virgin mega store)، في هذه الحالة سيبتاع الزبائن سيديات الميتال والروك آند رول والبوب والجاز الساحر من محل (العذراء)!!

ها أنت تأكل شاطر ومشطور وما بينهما، أي الصندويش، من مطعم بسيط يدعى (عجاج السنين).. لن تجرؤ عزيزي على طلب النسكافيه خاصتك، فقد يراقبك أحد أعضاء اللجنة من خلف الزجاج؛ ستطلب قهوة (النس) بكل شهامة العربي الأصيل ثم تجر عباءتك المثقوبة إلى فندق أمية حيث تثمل مردداً قصائد الأطلال حتى الصباح دون أن يتهمك أحداً بالعولمة..

في الحقيقة هناك محل للألبسة يدعى العابرة ، لا أكاد أمر من أمامه دون أن يقشعر بدني.. العابرة، هل أقول مثلاً إنني ابتعت بلوزة لطيفة من هناك دون أن يسبق كلامي دمعتين..؟

البيتزا (وهي وضع محير للغاية بالنسبة للجنة فما هو مرادف اللفظة؟)؛ البيتزا الساخنة التي أردت بعد أن اتصلت هاتفياً.. مطعم البيتزا الساخنة تفضل؟! ستأكلها حارة أو باردة ماطرة أو معتدلة مثلجة ربما إذا كنت في فندق الفصول الأربعة four seasons)) انتبه إلى ما طلبته بكل الأحوال فقد تتورط بكلب ساخن يجلبه أحدهم إلى بيتك ..!!

في المقابل هناك بلدان كالهند على سبيل المثال لا تعاني من أزمة لغوية كهذه، وهي التي حققت الكثير على مستوى صناعة الماركات، و لم يستطع الغرب الصناعي أن يخترقها ويتحكم بثقافة مستهلكها، وذلك لان رجالات السوق كانوا يتحسسون ما يجري في الأسواق العالمية، وعلى ضوئها يتخذون الخطوات العملية في طريق حماية الماركة التي تقترب من ثقافتهم دون التقليل من شأن لغتهم من جهة أو الإخلال بالمعنى، ليس على مستوى التصنيع والإنتاج الداخلي بل حتى في هندسة ثقافة المستهلك… من جهة أخرى دعنا نتأمل المجزرة التي ارتكبتها لغتنا الرومانسية في السلع، وجولة واحدة تفي بالغرض من حفاظات الطفل السعيد إلى صابونة النحلة ومبيض الأفراح، شراب عمار، ثم أفران غاز كندة القبيلة العربية التي سكنت في وادي حضرموت وربما كانت تحتسي شاي الزين .. زين الشاي قبل أن يتهدم سد مأرب على رؤوس أفرادها..

لا نستطيع إنكار سطوة الماركات فهي رقم خيالي في صناعة التجارة العالمية، تصل إلى حد يساوي ميزانيات عدة دول نامية مجتمعة مع بعض. بدأت بعض الدول العربية تتجه إلى هذا الاتجاه في تحرك متأخر نحو ماركنة البلد والتسويق على الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال استغلال الحالة العالمية في الانفتاح على الآخر، وقد تحركت بعض الدول من خلال تسويق مدنها، كخطوة أولى، والاهتمام أكثر بالسياحة في اتجاهاتها المختلفة. وهنا انبثقت الفكرة العظيمة من أحد أعضاء لجنة تمكين اللغة العربية، يزورنا السائح من بلاد الفرنجة ليقضي ليلته الأولى في بلدنا العريق بفندق الرجل الميت* هذا لجهل الأعضاء باللغة التركية أو احتياطاً من احتلال عثماني حديث في المنطقة…

* "ديدمان" سلسلة فنادق تركية لها فرع في دمشق.



http://www.alawan.org/%D9%81%D9%86%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AA.html

الجامعي الفاعل سياسياً نكتة لم تعد تضحك أحد

رغبة قوية تنتابني في أن أبدأ هذا المقال عن انهيار التعليم الجامعي انطلاقاً من تجربة ذاتية في الجامعة، على اعتبار أنني ما زلت في صفوف الطلبة كما أزعم ..

بعد العديد من المأزق الدراسية والنفسية وجدت نفسي لا أمتُّ لهيئة الطالب المعهودة بشيء، وكانت البداية حين حصلت على شهادة البكالوريا بعلامات متفوقة في أغلب المواد (الفرع الأدبي)، نشب الصراع الوجودي المعهود مع الأب بالمعنى النفسي المأزوم كذلك، حيث كانت رغبتي أن أدخل فرع علم الاجتماع ذلك أني كنت مفتونة في تلك المرحلة بآراء ابن خلدون التقدمية منها، والدراسات عن المجتمعات العربية الحديثة التي كنت أقرؤها بين الفينة والأخرى ، لكن والدي الذي كان أول من آمن بموهبتي في الكتابة، وأول من جهد إلى نسف كل ما آمنت به للأسف، ذهب في الصباح الباكر إلى كوة المفاضلة ليدون رغبتي الأولى (قسم الصحافة)، ولم يفدني بشيء الاحتجاج ولا التذمر ولا البكاء أيضاً…

ومازلت أذكر اليوم الجامعي الأول حين أوصلني بسيارته، وهو يتلو محاضرتي الأولى، قبل حتى أن أصل إلى باب الكلية، حول الفرصة الذهبية التي تسنت لي كي أبني شخصيتي، وأنمي ثقافتي الخاصة، والميول الفكرية والسياسية التي ستصنع مني فرداً فاعلاً في عملية التقدم الحضاري والاجتماعي. ولم أكن وقتها سوى الفتاة الصغيرة التي ارتدت قميصاً فضفاضاً وخفة رياضية مع شعر معقوص للوراء وحاجبين كثين، الفتاة التي جلست على درج باب قسم الصحافة وهي تبكي لأنها لا تعلم على أي حائط وضع برنامج المحاضرات الجامعية.. والحائط هو ما ضربت بعرضه لاحقاً كل الكتب الجامعية والمحاضرات التي تلقيتها في هذا المكان …

لا شك أن والدي ينتمي إلى جيل سابق عمل على إعلاء دور المثقف في المجتمع، وعلاقته بطبقاته، وإخلاصه للمرحلة السياسية التي ينتمي إليها مولياً أهمية كبيرة إلى كلاسيكيات الفكر المادي، وتنظيرات رموزه، وكتابات قادة الأحزاب نظراً إلى قدرته على توضيح الرؤى الملتبسة، وبلورة الأفكار الغامضة، ورسم الخطط المتصلة بالقضايا المطروحة، ومساهمته أيضاً في تعزيز ما هو سائد، أو الدعوة إلى تغيير ما هو قائم، حيث كانت الحياة الجامعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحركة الأحزاب السياسية. مازال هذا الشأن يثير اهتمام المفكرين العرب إلى الآن، حتى في هذه المرحلة الضبابية سياسياً ، بمعنى آخر؛ إن المثقف الجامعي في تلك الفترة لا يمتلك فقط الحلم بل والسعي إلى تغيير الواقع إلى الأفضل، وسعيه هذا لا ينحصر بالتحصيل المعرفي بل يتعداه إلى ممارسة الوعي السياسي والفكري على أرض الواقع.

لكن هذا الجيل يبدو مختلفاً، ليس من حيث المبادئ والقيم التي يؤمن بها وحسب، بل والفترة السياسية التي يختبرها أيضاً، ناهيك عن اكتساح العولمة الضاري للحرم الجامعي…

وعلى الرغم من وجود فقرة في الدستور الدائم (1973) تنص على أنه "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية" إلا أن طالب العلم اليوم لا يهتم بذلك البتة وربما لم يسمع بهذا الحق! خاصةً أنه لم يصدر حتى الآن قانون للأحزاب ينظم عملها ويقنّن وجودها. وبغض النظر عن ذلك؛ فهو أولاً ليس بالمستوى الثقافي الذي يؤهله لأخذ دوره فيها، وهذا ما يقودنا إلى حديث أخر عن انهيار منظومة التعليم ما قبل الجامعي. وثانياً إن أغلب منظمات الشباب، التي تتبع لأحزاب مختلفة، تبدو غير فاعلة مع افتقارها للدعم المادي من قبل الحكومة، ومع احتكار الاتحاد الوطني لطلبة سورية لأي نشاط سياسي في الحياة الجامعية.

إن كلاً من هذه الأسباب هي ما يجعل من الطالب الجامعي المؤدلج والمثقف، والفاعل سياسياً، نكتة قديمة لا تضحك الشباب والصبايا في كلية الآداب، فطالب اليوم يهتم أكثر بالتخلص من عبء دراسة فارغة لا تمت للحياة العملية بصلة، والأمر الذي لا يخفى وجود نسبة لا بأس بها من الهاربين خارج أسوار الجامعة إلى جحيم أخر يدعى العمل في القطاع الخاص، ريثما التخرج بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية مع وجود كوادر تدريس لا يعلم أحد على وجه الدقة كيف تم منح معظمهم فيها شهادات دكتوراه تأذن لهم بالانقضاض على ما تبقى من تلافيف فكرية لدى الطالب، وهنا لا داعي للقلق من عدم النجاح في المواد، مع وجود فساد إداري ورشوة مزدهرة بقوة بين دهاليز الأقسام..!!

وفي حين أن طلاب الأمس كانوا مهمومين بالقضايا الكبرى في مجتمعاتهم، ينشغل أغلب طلاب المرحلة الجامعية بأحدث الصرعات والجيل الثالث من الهاتف المحمول، مع انهيار شبه كامل في منظومة القيم الفكرية والسياسية…

عاشق الماضي الجامعي الجميل، الذي كان يقف مرتبكاً أمام زميلته ليعيرها كتاباً عن (المبادئ التنظيمية للحزب البروليتاري) لـ"لينين"، لا يشبه الطالب المتكئ على الحائط، يهدي زميلته(CD) أغاني صرعة غير شكل…

فإن أية جولة خارجية يقوم بها أحدهم للكلية (الآداب مثلاً)، كفيلة بكشف الخراب التعليمي وتدني مستوى التثقيف الحاصل، وقد يتناهى إلى مسامعك يا زائر كلية الآداب شذرات من أحاديث من نوع: كم تشبه هذه الزميلة (مريام فارس)؟! وكم هو(كول) ذاك الشاب ، وكم سيارة يملك أب فلان؟!!

لحظة.. ماذا لو وقفت مع الشلة ذاتها وطرحت عليهم سؤالاً: لماذا لا يحق للأم السورية منح الجنسية لأطفالها؟ … وهنا أتمنى أن لا تستغرب إذا ما اصفر وجه أحد الزملاء وأجاب: أنه لا يرغب في الحديث في السياسة؟؟!!!

أما في الداخل، أقصد في قاعة المحاضرات، تستطيع الحصول على غفوة منتصف النهار دون إزعاج، خاصةً أن المحاضرة التي يلقيها الدكتور لها مفعول حبوب النوم المركزة …

ثمة أستاذة جامعية كانت تعمد إلى ترسيبي في المادة التي تعطيها دون أي سبب، مرة من شدة يأسي كتبت لها مقاطع أغنية لفيروز (بكرة أنت وجاي) على ورقة الإجابة، فاجئتني بأنها منحتني أقل من علامة النجاح بدرجتين، مع بداية الفصل الدراسي عرفتني وهمست لي بعد انتهاء المحاضرة أني لو أكملت الأغنية كنت سأنجح….

http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84.html

نص غير مكتمل لواقع مأزوم

لعلّ من أهم ما يميز(الرواية الجديدة)، أو رواية ما بعد الحداثة كما يسميها بعض النقاد، وبغض النظر عن أسباب هذا التصنيف أو ذاك، فلعل أهم ما يميز هذه الكتابة الجديدة أنها سرد ذاتي لأزمة ما. بمعنى أخر إن الأزمة، نفسية كانت أم وجودية، ميزة رئيسية في النص الجديد، على الرغم من أن الزمن الآن هو مأزوم بطبيعة الحال! إلا أن بعض الروائيين الجدد قد وجد في هذه العثرة بالذات ضماناً لاستمرارية نص عابث وفوضوي يدور في فراغ هائل تغيب عنه الدلالات القديمة، ولا يعترف بها أيضاً.

وفي الوقت ذاته يبدون وكأنهم يصنعون عتمةً وتشتت سرد واقعي حديث عن عمد ونية مسبقة قبل البدء في الكتابة، طالما أنه لايوجد سوى الفراغ…

والحديث عن الأدب المعبأ بالأيدلوجيات، أصبح جزءاً من ماضيه بعد تلاشي الأفكار الكبيرة تدريجياً والمقولات السياسية في الرواية، لذا كان كتاب سبعينيات القرن الماضي أوفر حظاً من جهة سهولة انتقاء الموضوع والحماسة الجاهزة لدى الجمهور.

لكن يمكنني القول إن أية رواية جديدة تنتمي إلى الزمن الحاضر، ولا تتأثر بأزمته، هي رواية غير أصيلة، بمعنى الانتماء، لأنها ببساطة لا تعبر عن الواقع المعاش، وقد لا يكترث بأمرها القارئ الحديث… ولكن في المقابل؛ أكثر أنواع الروايات التي تظهر عليها ملامح الأزموية، إن صح التعبير، وبقوة هي روايات السير الذاتية، الكثير من هذه النصوص تبدو مشغولة بهموم الذات وكأنها لا تملك الوقت للاهتمام بشيء أخر!!

وهذا وهم اخترعه الكاتب كذلك، فما الذي يجعل من البطل في الرواية يظهر وكأنه يعيش مكابداته القاسية وحيداً، بينما يستطيع أن يجعل منه بطلاً ليس عاجزاً على الإطلاق وقادراً على قهر جميع المصاعب؟!..

ربما الرغبة في جعله متفرجاً، أو صامتاً، وغير معني بشيء مما يحدث خارج باب بيته؟!… كموقف ساكن لعالم يمضي رغماً عنه.. فبعض الروايات التي تكون مهمومة بالذات لا تكون الذات موضوعاً رئيسياً لها، وكأنها غير مو جودة أصلاً، ثم ما الذي يؤكد للراوئي أن قصة حياته يتلهف إليها القارئ ولا يسأم من متابعة تفاصيل مغامراته الجنسية في البار على سبيل المثال، أو إنجازات إحداهن في حياتها المهنية كامرأة خارقة لغباوات المجتمع الذكوري الجاحد..!!

وفي كل الأحوال هي سيرة ذاتية غير مكتملة على الأغلب، تضاف إلى سير من قبلها لم تكتمل، في ظل علاقة غائمة مع العالم الخارجي يسودها عدم الثقة وعدم الاكتراث أيضاً.

التشتت، التسطيح.. النقصان.. وفقدان النهاية الحاسمة، ستبقى سمة السيرة الذاتية، طالما أنها مجال صخب نقدي وإعلامي، وتحافظ على أزمة عدم اكتمالها..

من مقلب أخر؛ إذا كانت النصوص الموسومة بالسيرة الذاتية تنطلق من تجارب ووقائع حياتية عايشها الكاتب الذي لا يأبه كثيراً برصد التحولات الكبرى في الجماعة البشرية، باعتبار أن الرواية فن صناعة أو رصد الأحداث في التاريخ كما كان شائعاً، مع سقوط السرديات الكلاسيكية (ما بعد البنيوية) ، وهو معني في المقام الأول بالحكي عن نفسه وأزمته الصعبة ضمن شكل أدبي أحياناً، فما هي مقومات العمل الروائي ضمن السرد الذاتي في السيرة الجديدة؟؟

ربما تكون الأزمة في الواقع هي الإيقاع السريع للحياة اليومية المهمشة، وتدفق التفاصيل المتناقضة، رتابة هذه اليوميات وغرائبيتها في آن واحد، بينما أزمة روايات السيرة الذاتية خطورة وقوعها في فخ عدم الترابط بين الحكايات والملل، وهذا ما جعل مهمة الكاتب أصعب؛ يتوجب عليه الإمساك بالنص والتحكم بالسيطرة على مساحات صغيرة من الأوراق - نتيجة تكثيف الحكاية- ودون أن تفقد الطابع الأدبي كذلك، إضافةً إلى أن معالمها لم تتضح بعد بالنسبة إلى القارئ، بوصفها سيرة لذات، تأبى الاكتمال كخطيئة.. في زمن مأزوم جداً.


http://www.alawan.org/%D9%86%D8%B5-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%85%D9%84-%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9.html

السيرة الجنسية لصديقنا الشاب

م يعرف فرويد صديقنا الشاب، لكنّه كما أعتقد سيسعد بشدة حين يتأكد من نظريته الخالدة، ومن أن الإنسان لا يفكر سوى بما بين ساقيه، ولا شيء يشغل ذهنه أكثر من مؤخرة باهرة. ولا عجب في هذا لاسيما أنه، أي فرويد، كان متشائماً في رؤيته للحضارة، لأن تطورها حسب رأيه، يؤدي بالضرورة وبشكل متزايد إلى قمع الناس لغرائزهم الجنسية، وذلك لأن نمو الحضارة يعتمد بالضرورة على عملهم المتزايد، وبالتالي عليهم أن يتعلموا ضبط غرائزهم، وتأجيل أو إلغاء تلبيتها لفترات طويلة، ما قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وشعور بالخواء والقنوط. وبذلك فإن الحضارة عند فرويد تؤدي لا محالة إلى الاغتراب والتعاسة. لقد أثبتت تقارير منظمة الصحة العالمية نبوءة فرويد، فهي تؤكد أن نسبة الأمراض النفسية، وخصوصاً الكآبة، قد بلغت الآن عشرة أمثال ما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، هذا على الرغم من التطور الكبير الذي حصل مؤخراً في مجال تشخيص وعلاج الأمراض النفسية.

سيسر فرويد كثيراً بعد أن يلقي نظرة متفحصة على ما آل إليه التقدم والتطور في المجتمعات الشرقية، وهنا، في العاصمة السورية دمشق، هاهو يجد ضالته أخيراً؛ فالشاب الذي جاء من الريف المحافظ في إحدى المناطق الداخلية للقطر ليكمل دراسته داخل المعهد العالي للفنون المسرحية (فعل الحضارة) يشكل نموذجاً مثالياً لنظريته في الكبت الجنسي، يستمر في التخبط بين جسده وثقافته بشكل مبالغ فيه هذه المرة، بالتزامن مع الظروف الاقتصادية الخانقة الأمر الذي يجعل (ماركس) يغوص في كرسيه وهو يلعن تركيبة البشر. وإذا كانت الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي : الجنس - الطفولة - الكبت . فهي مفاتيح السيكولوجيا الفرويدية أيضاً، ولنبدأ بالطفولة، والتي هي مرحلة بدائية للكبت الجنسي:

لم يكن الشاب المسرحي الواعد سوى انعكاس لمنظومة كاملة من التخلف والجهل والعقد الغامضة، وصاحبنا فرويد يقول في هذا الشأن أنه في مرحلة الطفولة تشتد الهجمات الخيالية، والتي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي، إذ تتضح لديه الجنسانية من وراء الهوامات أو (الفانتازم). الطفل الواعد في هذه الحالة كان يحلم أحلاماً سرية عن أنثى ترتدي جلابية أمه، وتشبه الممثلة الشهيرة (سهير رمزي)، تقوم باستدراجه ليلاً إلى غابات الزيتون، تفرك ظهره بالليفة، ثم تداعبه بشكل غامض بالنسبة إليه. وقد تم القبض عليه من قبل الأخ الأكبر يمارس العادة السرية على سطح البيت، ما سبب للشاب نوعاً من (الدفع) كما يدعوه فرويد. فهو، إلى جانب الأفعال الإرادية التي تعكس الأمنيات والرغبات، باتت تصيبه بعض الأفعال العارضة الخارجة عن إرادته كأن ينهي علاقاته العاطفية بشكل سريع إمعاناً في الكبت القهري ربما، أو استجابة لرغبة شديدة في التمسك بأي أنثى تمر في حياته.

المرحلة الثانية: الليبيدو، ويفسر باختصار بأنه الدافع الجنسي. فهو، أي الطفل الذي كبر وصار شاباً يدرس المسرح، إذ يأكل أو يشرب، و يلطش أفكار زملائه، يختزل قراءاته في كتابين أو ثلاث، ويعقد مواعيده الغرامية في الأماكن الأشد رخصاً في العاصمة، حتى في استعراضه الفكري أمام أي بنت على الطاولة يقع تحت سطوة الدافع الجنسي، فالجنس هو النشاط الذي يستهدف اللذة إذ يصبح الأداة التي تربط الشاب هنا بالعالم الخارجي. هكذا يطبق الشاب الذي دخل الآن الثلاثينيات من عمره مبدأين هامين لدى فرويد هما اللذة والواقع، فالإنسان يتجه بطبيعته نحو اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة، لكنه يواجه بحقائق البيئة المحيطة به، ومن ذلك المتطلبات الاجتماعية كالزواج. يعتقد الشاب أخيراً أنه سيفلت من فخ الزواج، بذريعة الخدمة العسكرية، وإذا بالفتاة تبدي رغبة صادقة في الانتظار، فيعمد إلى التهرب، وإلى تجنب اللذة التي سببت له ألاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها.

وفي محاولة مكشوفة للالتفاف على القفص الذهبيّ شوهد في الآونة الأخيرة يواعد فتاة جديدة، ولكي يجد لسلوكه تبريراً فكرياً عميقاً ابتدع نظريته الخاصة التي لم يسمع بها فرويد، فصديقنا الشاب توصل إلى أن كونه من منطقة داخلية يجعله بحاجة إلى فتيات من المدن الساحلية حصراً.


http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A,7279.html

افسحوا لنون النسوة الجامحة

من فضائل الكتابة، ربما، أنها تخلق أفقاً إضافياً للتفكير لدى الكاتب، وتمنحه آليات جديدة للبحث في كل مرة يكتب بها، كما تنمي حدسه النقدي تجاه الموضوعات الشائكة في العالم الخارجي، وللكتابة النسوية أثر واضح في هذه النقطة بالذات، وقد منحت الكتابة للنساء علاقات إنسانية على أساس فهمهن للخارج عبر الكتابة. أول ما يفرضه هذا الوعي على المرأة هو عدم قبول وضعيتها المتدنية، ويكسب تفكيرها القدرة على تمييز ما يجعلها تابعة ومقلدة، ويكشف لها ذلك التضليل الناعم الذي يساق إليها فيجعلها تجنح عن الفهم والتعقل ويسوقها في طريق حفرته الثقافة الذكورية السائدة منذ آلاف القرون بأن تكون خلف الرجل.. لعل هذا الكلام صار بائداً، رغم أن الفكرة ما تزال سائدة حتى في الألفية الثالثة، تردده الكاتبات في المؤتمرات التي تعقد للأدب النسائي مع أنهن يخرجن بتصريح واحد على الأغلب: أن لا وجود لتقسيم للأدب على أساس الجنس، وليس بالضرورة أن يكون الإبداع إما بشاربين أو كعب عالي! لكنهن سيشاركن حتماً في مؤتمر الأدب النسائي العام القادم…!!

وعندما تكتب المرأة فذلك يعنى أنها تكتب نفسها بعد أن تسقط كل الحائل من الأفكار والتصورات الموروثة التي تجعل المرأة عدوة لجسدها ولنفسها ولتستر وحدة كيانها، ولم يعد هناك ما يفصل بين الكاتبة والموضوع فتهدم المرأة عن خيالها وذاكرتها كل موروث العبودية. وها هي تنتشل القلم بخفة، وهو الذي كان يعتبر أداة ذكورية، بعدما ضجرت من الحكي تحت الأغطية الدافئة لأطفال لا يفهمون رغبتها، بينما كان الفرسان الأشاوس يتنقلون بين الحقول والصحاري القاحلة…………………..، ولشدة ما استهلك هذا في المحافل الثقافية التي رحبت بالأنثى المبدعة، صار(الكلايشيه) الرسمي لإغواء روائيات في صدمة الكتاب الأول! أو ما زلن قيدَ الاحتلام به..

نحتاج إلى التوقف الآن عند ما منحته الكتابة لنون النسوة، في الوقت الحاضر على الأقل، كما ربما علينا فحص التغيرات التي طرأت عليها.. هناك اتجاهان واضحان في الكتابة؛ إما جريئة إلى أقصى الحدود تتطرق إلى الأمور التي لم نعهد التقرب منها في المرأة، وهذا إيجابي بغض النظر عن الجنس إذ يعد الأمر لصالح التخلص من عوائق اجتماعية في الكشف المطلق. لقد كتبت إحداهن على سبيل المثال في روايتها أنها تستفيق صباحاً حين تمتلئ مثانتها بالبول، ويكاد يكون مزعجاً الخروج من السرير الدافئ نحو الحمام، لكن هذه الطريقة التي استعاضت بها ومنذ سنوات عن المنبه..!!

من فترة زمنية ليست بالبعيدة لم نكن سنقرأ مثل هذه الكلمات من مبدعات تقمصن أغلبهن إما شخصية (فرانسواز ساغان)، لكن النسخة الرديئة منها لعلها تلك التي تثمل وتهذي بغير المباح في كل مناسبة أدبية! أو شخصية أخرى وجدت لنفسها مهمات إضافية في توجيه (حيونة) الذكور نحو الطريق الصحيح، أو حماية المجتمع الشرقي من آفات الغرب القذرة وإعادة مجد زمن (الطهطاوي)، وهي ضد العولمة بالتأكيد..

هنا علينا التساؤل عن الكاتبة المتصالحة مع نفسها، والتي تملك نظرة مرنة لاستيعاب الكتابة قدراً من المستجدات سواء في العلاقة بينها وبين الرجل، أو في علاقتها مع مجتمع رعوي ـ حداثي بآن واحد.. ليس تحاملاً على الكاتبات ولكن من أجل كما قلت سابقاً فحص ما طرأ عليهن من باب الحرص على حرية حصلن عليها بشق الأنفس، مع أن بعض ما قرأت مؤخراً من إبداعات بنات جنسي يجعلني أفكر في زمن أوروبا الوسطى المظلمة، وقد كانت المرأة بذلك الوقت تعتبر مريضة إن كانت فصيحة كثيرة الكلام ويتوجب علاجها، وكانوا يضعون المرأة سليطة اللسان (أي التي تستخدم لسانها) في كرسي يقيدونها إليه ويقومون بغطسها في مياه النهر مرات متكررة، وذلك من أجل إطفاء النار الملتهبة في عضلات لسانها..!!، إذ ليس مطلوباً منها استعمال هذه الآلة المذكرة وقد ناب عنها الذكور في ذلك!

في المقابل يظهر على الساحة الأدبية جنس ثالث من الكاتبات الشابات تبدو عليهن مظاهر الغلمان أكثر، لا يتورعن عن مشاكسة المحظور والكتابة عن هزائمهن على كل المستويات، رغم أنهن لا يكتبن عن هزيمة الرجل الذي دعا إحداهن إلى وليمة كحولية بينما يفكر سراً برغبته بقراءة كتاب تراثي لخير الدين نعمان ابن أبي الثناء (الإصابة في منع النساء من الكتابة)…..

http://www.alawan.org/%D8%A3%D9%81%D8%B3%D8%AD%D9%88%D8%A7-%D9%84%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D9%88%D8%A9.html

نصوص كندة السوادي .. الأدب الجديد

نعتقد أحياناً أن الصورة تجمد اللحظة ضمن هذا الإطار الفوتوغرافي المعهود لمفهوم الصورة نفسه، الأمر الذي ربما يكون خطأ كبيراً، ليست لأنها لحظة زمنية تتبع ذاكرة عاطفية آنية متعسفة بشدة، بوصفها لا تندرج تحت بنود المنطق، بل لأن اللحظة ذاتها قد تبدو غير ثابتة، وفق مفهوم زمني وفردي شديد الخصوصية؛ من يثبت أن هذه الصورة هي أنت.. وأنت مدمن لأفيون عاطفتك بالتأكيد؟ السؤال: إلى أي مدى قد تفلح أنت بالتقاط تلابيب الحقيقة المجردة ضمن الموقف الإنساني الذي تعرضت له أثناء رؤيتك الصورة فيما بعد؟….. وهل ستكون صادقاً إزاء مشاعرك القديمة؟

الموقف نفسه تحت عملية تشريح مزمنة، في كل مرة يتعرض فيها للكشف أمام الذاكرة كذلك، لذلك حالة الفوتوغراف هنا اللحظة العاطفية مع التنوع الجسدي ـ الانفعالي في مواجهة عنف الكاميرا السادي والمباغت أيضاً من أجل غاية توثيقية للزمن، دون اتفاق مع الموقف نفسه. هذا بالرغم من أن ثمة لحظة واحدة يكاد يعرفها الجميع تفشل بإصرار في مجاراة الزمن ولعبة الفوتوغراف، وكأنها منفلتة على الدوام من التأطير، لتصبح سجينة الضوء هكذا بكل بساطة! يبدو لي الأمر محض استسهال في نثر فلاشات على عري حياة قد تكون سامة..!، تحت رعاية كاميرات الديجتال الفائقة التكنولوجيا.. لكن ماذا عن التوثيق الذاتي؟

هل بإمكانك الاعتماد عليه خاصةً أن مهارات الحفظ في تراخٍ مستمر ضمن ذاكرتك؟ فالصورة الفوتوغرافية تنتج أكثر من معنى ضمن إجراءات سبر متكرر للماضي، بمعنى أنها قد تحبل بتوأم التناقضات الانفعالية في كل مرة. لكن انتبه؛ ستعتمد على توثيق ذاتي خاص، تصف الحادثة دون مساعدة دلالات وأرقام مختصرة أسفل أو أعلى الصورة تلك التي نكتبها اغلب الأحيان تحت تأثير مخادع غالباً ما يقوم به الجميع.. أقصد شرح مفردات الفوتوغراف مباشرةً بعد الظهور الأول…، ربما من المهم التريث قليلاً في كتابة الوصف حتى لو كان على المستوى الشفهي. سأنجرف أكثر إذا ما اقترحت عليكم، على سبيل المجازفة بالطبع؛ "علم نفس الفوتوغراف" يبني قواعد رئيسية نحو تأصيل سلوكيات عامة تتناسب واللحظة النفسية نظراً لتأثيرات الفلاش المفاجئ..

هكذا تتفادى إرباكات قد تحصل معك في المستقبل، بما يخص إجلاء الحقيقة عن ميوعة العواطف البشرية أقصد. فالرجل الستيني، ولنفترض يتأمل صورة الآن عن رحلة جامعية مثلاً قام بها مع الأصدقاء، هكذا سيصفها بالرحلة الممتعة مرة، وقد يهمل تفاصيل أشد أهمية لم تظهر في إطار الصورة. لكن هل كانت الرحلة ممتعة بالنسبة له..؟ لأنه ربما، والاحتمال قائم، سيصف بعد فترة زمنية طويلة نسبياً الرحلة بأنها كانت عادية..، الأفكار التي راودته أثناء قيامه بوسم الصورة بالمتعة والفرح ستختلف ولن يتذكرها على وجه الدقة.

ما يحصل في الصورة الفوتوغرافية هو خداع عاطفي من الطراز الرفيع، نستسلم له بإرادتنا ولا يسمح لهذه الصورة بأن تكون بمثل هذه القوة من الإيحاء، ليس لوقت طويل. إنها تسقط أخيراً تحت حكم المنطق الحاسم.. وذلك حين يصمم الفرد على التجرد وأن يكون موضوعياً أمام الصورة الفوتوغرافية؛ هذا ما يفسر اختلاف أجوبة الرجل الستيني في المثال.. بمعنى آخر؛ إنه سينطق بالحقيقة المجردة ضمن حالة متوازنة عاطفياً.

في المقابل من هذا الذي يتحلى بمثل هكذا واقعية تجاه صورةٍ مع من كان حبيبه الغالي آنذاك فلتذهب الواقعية إلى الجحيم، أي سيف علم نفس هذا يجعل مني سفاحة لذاكرة رجل لا يمت لي بصلة لمجرد إثبات دقة الواقعة! فكرت في الأمر خلال تأملي صورةً مع عاشق سابق أحرك له مبتسمةً السكر في كوب الشاي خاصته، أو هذا ما خيل إلي طوال سنوات. اليوم بالذات تذكرت أنني كنت، أي في الصورة، أحرك السكر في شاي صديقه، لأنه وبكل بساطة لم يشرب الشاي مع السكر يوماً..!

على كل حال تم قنص الدهشة المحيرة هذه من وجهي مباشرةً، دون إرادة مني ولم يستشرني أحد بالطبع، لكن هل هذا ما يتوجب علي كتابته شفوياً أو خلف الصورة ؟! هذا الوجه المرتبك المبتسم لم يستشره الفلاش.. أم أكتفي بسرد مخاتل للحكاية في كل مرة تعرض الصورة على الناس… أنا التي ما زالت تتبع تلك الفصيلة من البشر تختنق حلماً وتتشدق به أمام المرآة، تتسكع بخجل في أرخبيل الذاكرة العاطفية كسائر كائنات ليلي الهلامية.. تتأزم بوهمها الشخصي، كما لو كان الواقع تماماً..، ولا يدرك عالم النفس هذا وقائع الأرق الوحشي خلال المنام، تستعيد أيقونة الضباب البارد كل مرة، وهي ليست أكثر من صورة فوتوغرافية تحكي حكايات كثيرة.