Thursday 10 February 2011

نصوص كندة السوادي .. الأدب الجديد

نعتقد أحياناً أن الصورة تجمد اللحظة ضمن هذا الإطار الفوتوغرافي المعهود لمفهوم الصورة نفسه، الأمر الذي ربما يكون خطأ كبيراً، ليست لأنها لحظة زمنية تتبع ذاكرة عاطفية آنية متعسفة بشدة، بوصفها لا تندرج تحت بنود المنطق، بل لأن اللحظة ذاتها قد تبدو غير ثابتة، وفق مفهوم زمني وفردي شديد الخصوصية؛ من يثبت أن هذه الصورة هي أنت.. وأنت مدمن لأفيون عاطفتك بالتأكيد؟ السؤال: إلى أي مدى قد تفلح أنت بالتقاط تلابيب الحقيقة المجردة ضمن الموقف الإنساني الذي تعرضت له أثناء رؤيتك الصورة فيما بعد؟….. وهل ستكون صادقاً إزاء مشاعرك القديمة؟

الموقف نفسه تحت عملية تشريح مزمنة، في كل مرة يتعرض فيها للكشف أمام الذاكرة كذلك، لذلك حالة الفوتوغراف هنا اللحظة العاطفية مع التنوع الجسدي ـ الانفعالي في مواجهة عنف الكاميرا السادي والمباغت أيضاً من أجل غاية توثيقية للزمن، دون اتفاق مع الموقف نفسه. هذا بالرغم من أن ثمة لحظة واحدة يكاد يعرفها الجميع تفشل بإصرار في مجاراة الزمن ولعبة الفوتوغراف، وكأنها منفلتة على الدوام من التأطير، لتصبح سجينة الضوء هكذا بكل بساطة! يبدو لي الأمر محض استسهال في نثر فلاشات على عري حياة قد تكون سامة..!، تحت رعاية كاميرات الديجتال الفائقة التكنولوجيا.. لكن ماذا عن التوثيق الذاتي؟

هل بإمكانك الاعتماد عليه خاصةً أن مهارات الحفظ في تراخٍ مستمر ضمن ذاكرتك؟ فالصورة الفوتوغرافية تنتج أكثر من معنى ضمن إجراءات سبر متكرر للماضي، بمعنى أنها قد تحبل بتوأم التناقضات الانفعالية في كل مرة. لكن انتبه؛ ستعتمد على توثيق ذاتي خاص، تصف الحادثة دون مساعدة دلالات وأرقام مختصرة أسفل أو أعلى الصورة تلك التي نكتبها اغلب الأحيان تحت تأثير مخادع غالباً ما يقوم به الجميع.. أقصد شرح مفردات الفوتوغراف مباشرةً بعد الظهور الأول…، ربما من المهم التريث قليلاً في كتابة الوصف حتى لو كان على المستوى الشفهي. سأنجرف أكثر إذا ما اقترحت عليكم، على سبيل المجازفة بالطبع؛ "علم نفس الفوتوغراف" يبني قواعد رئيسية نحو تأصيل سلوكيات عامة تتناسب واللحظة النفسية نظراً لتأثيرات الفلاش المفاجئ..

هكذا تتفادى إرباكات قد تحصل معك في المستقبل، بما يخص إجلاء الحقيقة عن ميوعة العواطف البشرية أقصد. فالرجل الستيني، ولنفترض يتأمل صورة الآن عن رحلة جامعية مثلاً قام بها مع الأصدقاء، هكذا سيصفها بالرحلة الممتعة مرة، وقد يهمل تفاصيل أشد أهمية لم تظهر في إطار الصورة. لكن هل كانت الرحلة ممتعة بالنسبة له..؟ لأنه ربما، والاحتمال قائم، سيصف بعد فترة زمنية طويلة نسبياً الرحلة بأنها كانت عادية..، الأفكار التي راودته أثناء قيامه بوسم الصورة بالمتعة والفرح ستختلف ولن يتذكرها على وجه الدقة.

ما يحصل في الصورة الفوتوغرافية هو خداع عاطفي من الطراز الرفيع، نستسلم له بإرادتنا ولا يسمح لهذه الصورة بأن تكون بمثل هذه القوة من الإيحاء، ليس لوقت طويل. إنها تسقط أخيراً تحت حكم المنطق الحاسم.. وذلك حين يصمم الفرد على التجرد وأن يكون موضوعياً أمام الصورة الفوتوغرافية؛ هذا ما يفسر اختلاف أجوبة الرجل الستيني في المثال.. بمعنى آخر؛ إنه سينطق بالحقيقة المجردة ضمن حالة متوازنة عاطفياً.

في المقابل من هذا الذي يتحلى بمثل هكذا واقعية تجاه صورةٍ مع من كان حبيبه الغالي آنذاك فلتذهب الواقعية إلى الجحيم، أي سيف علم نفس هذا يجعل مني سفاحة لذاكرة رجل لا يمت لي بصلة لمجرد إثبات دقة الواقعة! فكرت في الأمر خلال تأملي صورةً مع عاشق سابق أحرك له مبتسمةً السكر في كوب الشاي خاصته، أو هذا ما خيل إلي طوال سنوات. اليوم بالذات تذكرت أنني كنت، أي في الصورة، أحرك السكر في شاي صديقه، لأنه وبكل بساطة لم يشرب الشاي مع السكر يوماً..!

على كل حال تم قنص الدهشة المحيرة هذه من وجهي مباشرةً، دون إرادة مني ولم يستشرني أحد بالطبع، لكن هل هذا ما يتوجب علي كتابته شفوياً أو خلف الصورة ؟! هذا الوجه المرتبك المبتسم لم يستشره الفلاش.. أم أكتفي بسرد مخاتل للحكاية في كل مرة تعرض الصورة على الناس… أنا التي ما زالت تتبع تلك الفصيلة من البشر تختنق حلماً وتتشدق به أمام المرآة، تتسكع بخجل في أرخبيل الذاكرة العاطفية كسائر كائنات ليلي الهلامية.. تتأزم بوهمها الشخصي، كما لو كان الواقع تماماً..، ولا يدرك عالم النفس هذا وقائع الأرق الوحشي خلال المنام، تستعيد أيقونة الضباب البارد كل مرة، وهي ليست أكثر من صورة فوتوغرافية تحكي حكايات كثيرة.

No comments:

Post a Comment