Thursday 10 February 2011

الجامعي الفاعل سياسياً نكتة لم تعد تضحك أحد

رغبة قوية تنتابني في أن أبدأ هذا المقال عن انهيار التعليم الجامعي انطلاقاً من تجربة ذاتية في الجامعة، على اعتبار أنني ما زلت في صفوف الطلبة كما أزعم ..

بعد العديد من المأزق الدراسية والنفسية وجدت نفسي لا أمتُّ لهيئة الطالب المعهودة بشيء، وكانت البداية حين حصلت على شهادة البكالوريا بعلامات متفوقة في أغلب المواد (الفرع الأدبي)، نشب الصراع الوجودي المعهود مع الأب بالمعنى النفسي المأزوم كذلك، حيث كانت رغبتي أن أدخل فرع علم الاجتماع ذلك أني كنت مفتونة في تلك المرحلة بآراء ابن خلدون التقدمية منها، والدراسات عن المجتمعات العربية الحديثة التي كنت أقرؤها بين الفينة والأخرى ، لكن والدي الذي كان أول من آمن بموهبتي في الكتابة، وأول من جهد إلى نسف كل ما آمنت به للأسف، ذهب في الصباح الباكر إلى كوة المفاضلة ليدون رغبتي الأولى (قسم الصحافة)، ولم يفدني بشيء الاحتجاج ولا التذمر ولا البكاء أيضاً…

ومازلت أذكر اليوم الجامعي الأول حين أوصلني بسيارته، وهو يتلو محاضرتي الأولى، قبل حتى أن أصل إلى باب الكلية، حول الفرصة الذهبية التي تسنت لي كي أبني شخصيتي، وأنمي ثقافتي الخاصة، والميول الفكرية والسياسية التي ستصنع مني فرداً فاعلاً في عملية التقدم الحضاري والاجتماعي. ولم أكن وقتها سوى الفتاة الصغيرة التي ارتدت قميصاً فضفاضاً وخفة رياضية مع شعر معقوص للوراء وحاجبين كثين، الفتاة التي جلست على درج باب قسم الصحافة وهي تبكي لأنها لا تعلم على أي حائط وضع برنامج المحاضرات الجامعية.. والحائط هو ما ضربت بعرضه لاحقاً كل الكتب الجامعية والمحاضرات التي تلقيتها في هذا المكان …

لا شك أن والدي ينتمي إلى جيل سابق عمل على إعلاء دور المثقف في المجتمع، وعلاقته بطبقاته، وإخلاصه للمرحلة السياسية التي ينتمي إليها مولياً أهمية كبيرة إلى كلاسيكيات الفكر المادي، وتنظيرات رموزه، وكتابات قادة الأحزاب نظراً إلى قدرته على توضيح الرؤى الملتبسة، وبلورة الأفكار الغامضة، ورسم الخطط المتصلة بالقضايا المطروحة، ومساهمته أيضاً في تعزيز ما هو سائد، أو الدعوة إلى تغيير ما هو قائم، حيث كانت الحياة الجامعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحركة الأحزاب السياسية. مازال هذا الشأن يثير اهتمام المفكرين العرب إلى الآن، حتى في هذه المرحلة الضبابية سياسياً ، بمعنى آخر؛ إن المثقف الجامعي في تلك الفترة لا يمتلك فقط الحلم بل والسعي إلى تغيير الواقع إلى الأفضل، وسعيه هذا لا ينحصر بالتحصيل المعرفي بل يتعداه إلى ممارسة الوعي السياسي والفكري على أرض الواقع.

لكن هذا الجيل يبدو مختلفاً، ليس من حيث المبادئ والقيم التي يؤمن بها وحسب، بل والفترة السياسية التي يختبرها أيضاً، ناهيك عن اكتساح العولمة الضاري للحرم الجامعي…

وعلى الرغم من وجود فقرة في الدستور الدائم (1973) تنص على أنه "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية" إلا أن طالب العلم اليوم لا يهتم بذلك البتة وربما لم يسمع بهذا الحق! خاصةً أنه لم يصدر حتى الآن قانون للأحزاب ينظم عملها ويقنّن وجودها. وبغض النظر عن ذلك؛ فهو أولاً ليس بالمستوى الثقافي الذي يؤهله لأخذ دوره فيها، وهذا ما يقودنا إلى حديث أخر عن انهيار منظومة التعليم ما قبل الجامعي. وثانياً إن أغلب منظمات الشباب، التي تتبع لأحزاب مختلفة، تبدو غير فاعلة مع افتقارها للدعم المادي من قبل الحكومة، ومع احتكار الاتحاد الوطني لطلبة سورية لأي نشاط سياسي في الحياة الجامعية.

إن كلاً من هذه الأسباب هي ما يجعل من الطالب الجامعي المؤدلج والمثقف، والفاعل سياسياً، نكتة قديمة لا تضحك الشباب والصبايا في كلية الآداب، فطالب اليوم يهتم أكثر بالتخلص من عبء دراسة فارغة لا تمت للحياة العملية بصلة، والأمر الذي لا يخفى وجود نسبة لا بأس بها من الهاربين خارج أسوار الجامعة إلى جحيم أخر يدعى العمل في القطاع الخاص، ريثما التخرج بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية مع وجود كوادر تدريس لا يعلم أحد على وجه الدقة كيف تم منح معظمهم فيها شهادات دكتوراه تأذن لهم بالانقضاض على ما تبقى من تلافيف فكرية لدى الطالب، وهنا لا داعي للقلق من عدم النجاح في المواد، مع وجود فساد إداري ورشوة مزدهرة بقوة بين دهاليز الأقسام..!!

وفي حين أن طلاب الأمس كانوا مهمومين بالقضايا الكبرى في مجتمعاتهم، ينشغل أغلب طلاب المرحلة الجامعية بأحدث الصرعات والجيل الثالث من الهاتف المحمول، مع انهيار شبه كامل في منظومة القيم الفكرية والسياسية…

عاشق الماضي الجامعي الجميل، الذي كان يقف مرتبكاً أمام زميلته ليعيرها كتاباً عن (المبادئ التنظيمية للحزب البروليتاري) لـ"لينين"، لا يشبه الطالب المتكئ على الحائط، يهدي زميلته(CD) أغاني صرعة غير شكل…

فإن أية جولة خارجية يقوم بها أحدهم للكلية (الآداب مثلاً)، كفيلة بكشف الخراب التعليمي وتدني مستوى التثقيف الحاصل، وقد يتناهى إلى مسامعك يا زائر كلية الآداب شذرات من أحاديث من نوع: كم تشبه هذه الزميلة (مريام فارس)؟! وكم هو(كول) ذاك الشاب ، وكم سيارة يملك أب فلان؟!!

لحظة.. ماذا لو وقفت مع الشلة ذاتها وطرحت عليهم سؤالاً: لماذا لا يحق للأم السورية منح الجنسية لأطفالها؟ … وهنا أتمنى أن لا تستغرب إذا ما اصفر وجه أحد الزملاء وأجاب: أنه لا يرغب في الحديث في السياسة؟؟!!!

أما في الداخل، أقصد في قاعة المحاضرات، تستطيع الحصول على غفوة منتصف النهار دون إزعاج، خاصةً أن المحاضرة التي يلقيها الدكتور لها مفعول حبوب النوم المركزة …

ثمة أستاذة جامعية كانت تعمد إلى ترسيبي في المادة التي تعطيها دون أي سبب، مرة من شدة يأسي كتبت لها مقاطع أغنية لفيروز (بكرة أنت وجاي) على ورقة الإجابة، فاجئتني بأنها منحتني أقل من علامة النجاح بدرجتين، مع بداية الفصل الدراسي عرفتني وهمست لي بعد انتهاء المحاضرة أني لو أكملت الأغنية كنت سأنجح….

http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84.html

No comments:

Post a Comment