Thursday 10 February 2011

سقوط حر عكس اتجاه المطر

يوم ممطر أخر ويملئ الوحل هذا العالم . وحل وسط هذه الجزمات العالية بضاعة المطر الرائجة في حوانيت البالة ، الثياب والأحذية التي منحتها لنا سلالات الماء والعشب الطازج ، يصاب ركاب السرافيس بالزكام أيام المطرونسمع جوقة السعال في قبر المواصلات العامة سعال وبلغم متورم كما لو كان نباح جماعي متعدد الأصوات يهطل المطر تثقل خطوات الناس بفعل الرطوبة لكن هذا الثقل بالذات ما يجعلني أؤمن أن معجزة الطبيعة هذه تحصل فقط على زجاج سيارة أبي، الماء سقط على السلالم القصيرة وها آنا أتلقى جافة كخشبة طافية الخبر الحزين .. لقد قتل رجل تحبينه وفقدت جثته في العراء الجاف أيضاً ... نظرة أخرى إلى النافذة أمامي .. المطر لا يهطل هنا أو على عينيه المفتوحتين بشهقة إلى الأعلى



وقعت المعجزة على بيوت الفقراء كما لو كانوا بحاجة إليها ، وعربات المازوت وليس من اقتراحات تلوح بالأفق لمعجزات إضافية عن نيران تخلق بالمجان ..، في بيته كان ينام عارياً على سرير رطب ، أجلس في الزاوية أراقب تفسخ الجدران قطعة على شكل مثلث من الدهان الأزرق تتمزق خفيةً عنه بالقرب من كتفي الأيمن أمد طرف إصبع فتقع على الرقبة مع أنغام المطر المتصاعدة في الخارج

المطر لم نراه ... لكني استعدته كله تحت شمس صيف ما أمطاراً استوائية قسمت الكرة الأرضية حينها إلى المنتصف ... صحرائي أنا ومياه الغائبين...حينئذ دخلت في السبع سنوات عجاف يليها سبع سنوات جفاف.. وهكذا



في منتصف أخر ليلة شتوية حارة أتقلب على رأس الشمال أسعل سعال ديكي ، رأس اليمين يكون بالقرب من الحائط عادةً أسعل كما جراء سوداء ضاعت في العتمة ، في اليوم التالي سيخرج كل القيح رماداً يشتعل ، نظراً لعدد السجائر التي أدخنها كل يوم ما الحل ؟! لن أبحث طويلاً فقط أتأمل الماء في الخارج افتح زجاجة النبيذ عند الساعة الرابعة والنصف ، أخط على البشرة بأظافر لم تشذب البتة ممرات بيضاء الألوان السمراء خلقت جافة بالطبع لكن في الداخل خطر لي كتابة أسماء العشاق كلهم ،و سرعان ما شربتها رمال البشرة المتحركة . اسمي في المعجم القطعة من الجبل ..عند الساعة السادسة والنصف .. ركنت زجاجة نبيذ فارغة إلى الأسفل



قبل المطر بلحظات كان عجوزاً بشفاه متشققة يبلل بصعوبة ورقة تبغ لف يجلس تحت شمس الظهيرة ضمن سهل يبدو مترامي الأطراف .. ثم طفلاً يمشي خلف بضعة خرفان وإمراءة على وشك الولادة حين تفجر رحم السماء وهطل ال.... ماذا يجب أن ندعوه هنا ؟! في جغرافيا حارقة كالتي هنا شيئاً ما يجب أن يقترب من شراسة جو الشمال وقسوة البدو الرحل ... سقط الفجور على الأرض .. صرخ رجل شق ثوبه بوجه الرعيد بالتزامن مع صرخة المرأة التي سمت بنت سوداء ونحيلة للغاية .... مزنة



في إتجاه معاكس لفوضى الخيام المتطايرة وهلع القبيلة ثبت بدوي أعمى بساط وصندوق خشبي عتيق ،عدة أغطية ووسائد ثم ثبت صبي صغير على ظهر ناقته مشت زوجته وطفل أخر خلفه وغنت المرأة على كل الدروب رياح سوداء ..

كما لوكانت تغني الطوارق في المغرب .. هذه إحدى قصائدهم

فوق الخطر دون الوصل نشفت الريق ، وحبل اللقا لو ما رعته ثنيته

البعد شلفي ذياب وسم الصناديق والقرب يرفي الجرح لو ما هنتيه



انام من طول السهر وأرجـع افيـق// واجمع خواطر ليلـي اللـي سريتـه أبيات فيها مـن قصيـد العشاشيـق// وابلغ منه واصدق من اللـي قريتـه انفسروها قلـت مـن غيـر تعليـق// وان بينـت لـي بـن عـم ونخيتـه ملفـاي مقـدام الوجيـه المطاليـق// اللي ليـا مـن دبـر الوقـت جيتـه ماهوب ملفق حولي الهـرج تلفيـق// فـي لازمـي لارحـت يمـه لقيتـه...



السهل غادره الرجل والأنهار استعادت منسوبها القلق لكن التوجس أصبح من صفات الغبار الذي مازال يلهو إلى يومنا هذا ، أما الوادي بالقرب من الخيام اعتادت العشيرة على التبرز فيه ، أعوام تمضي يجف فيها الخراء على مهل ..



احدهم يكبر انفه حين تمطر يقول لي هذه الأيام اللعنة متى ينتهي هذا الإحتباس الحراري ؟! صبية جميلة معي في العمل ترتدي فساتين شفافة تقول .. اشتقت للمطر ...، شاعر توقفت قصيدته عند المنتصف أيضاً يقول بكثير من الأسى المصطنع .. متى تمطر الغيوم العاهرة ..

الأخاديد حول عينيها جدتي أصدق من هذا الهراء ، ولا شيئ في عيون من أحبهم يشبه الماء أو المطر ..



على طرق مقفرة سأمشي وحيدة أشرب بهدوء فودكا مثلجة في عبوات خضراء أو زرقاء ، أحقق شهية الكثيرين حين أنزف سراً هكذا .. أخون سلالات الصحراء التي أنتمي إليها.. وأفكر بصلاة الإستسقاء.. وطقوس المياه



، ذات مرة أنهار سد مأرب وطردت المياه قبائل كثيرة شر طردة إلى أرض السواد لماذا سأكترث إذاً بالمطر ، كذلك اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى نهر الفرات الحكاية أنهم مانعوه لكنه خلص إلى شربة من الفرات فرماه رجل يقال عنه حصين بن تميم في حنكه فأثبته فانتزعه الحسين عليه السلام في حنكه .. فار الدم فتلقاه بيديه ثم رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دما ثم رمى به إلى السماء وقال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا ودعا عليهم دعاءا بليغا قال فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى إلى أن مات

لكن رواية أخرى تقول أنه صار يدق أبواب الكوفة يسأل شربة ماء لاهثاً ينادي عطشان يا أهل الكوفة... فأغلقت النسوة الباكيات على حاله الأبواب في وجه سيدنا الحسين ومات عطشاناً وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك حسب ابن كثير الأبيات التالية جاءوا برأسـك يا بن بنت محمد مـتزملا بدمـائه تزميـلا وكأن بك يا بن بنـت محـمد قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا ولم يتـدبروا في قتلك القـرآن والتنزيلا ويكـبرون بأن قـتلت وإنـما قتلوا بك التكـبير والتهليلا



فكرت بشكل معطفي حين يتبلل . ..هطول الكلمات في قصيدة وهطوله علي حين يجيء في يوم ما عكس اتجاهات المناخ يجيء إلي بكامل كربلاء روحه كما يستحق انتظاري و كما لو كان هو حفيد الحسين المفقود في أرض الجنوب ، سأجلس على مقعد في حديقة عامة حين تمطر نظرت إلى فوق خيل لي حينها أني أنظم مظاهرة ضد السماء .. يحملني أحد الرفاق فأهتف : يسقط المطر ... تبكي الجموع ورائي ... يسقط يسقط ... مهلاًً لا يا جماعة أقصد .. يسقط...

No comments:

Post a Comment