Thursday 10 February 2011

شام معلف

تبحث عن الشام بعد كل هذا الطواف اليوم إذن دعنا نلحق تلك الحشود الملونة في أزقة دمشق القديمة ليس مطعم الوجبات السريعة الذي يعرفه الجميع أمهر من صنع صندويش ( الإسكالوب) في المنطقة العتيقة ـ ذاك الذي طرز واجهة المحل نقوش بيزنطية حديثة بالدهان الأصفر الفاقع دون حتى أن يدري أنها زخارف من تلك الحقبة بالذات؟! لا يهم طالما أنه يحرك السياحة في البلد ،بل أقصد الشام داخل السور العمارة.. القيمرية.. ، القنوات،.. باب توما باب رسول السيد المسيح الذي جاب هذه الأزقة مع القديسين والعلماء والرحالة والفاتحين على مر التاريخ .. الباب بقي مفتوحاً على مصراعيه ، بينما أقف في منتصف الطريق أفكر باستعادة هؤلاء بصرياً على الأقل في خيالي ،معرضةً نفسي لخطر الدعس والفعس تحت أقدام المتسربلين من كل مكان أجانب وعرب متأجنبين، مباشرةً إلى البارات ذات الطراز الشرقي وأماكن البوب في البيوت القديمة ومحلات الشاورما محلات( الدفيديات) المقرصنة البطاطا المشوية على الطريقة التركية وبيت (الغوفر) البلجيكي وسط الشارع المستقيم ... لا أستطيع أن أحدد إلى أي درجة يجوع بها بعضهم حتى يمرون من أمام سبيل الماء هذا دون أن يقرأ أحداً أنه بني على روح( سيف الدين جقمق)..

تبحث عن شامك بعد كل هذا التعب ولا يتسنى لك الكسل في التكية السليمانية لأنه منذور لراحة السياح ، ولهذا تم وضع هذا السور الحديدي القبيح بينك وبين مشهد القباب المتناغمة مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة السور الحديدي الذي وضعته وزارة السياحة بينك أنت ابن البلد وبين البحرة الواسعة في قلب صحن التكية فقط من أجل راحة السياح .. فأنت من أهل البلد .. لكن مهلاً أنت الأن في باب شرقي فعن أي بلد نتحدث ؟! !
شام محل مطعم يعرفه معظمنا يعزف ألحان الجاز بينما تجلس على كرسي مصنوع في إيطاليا وتفكر بتناول وجبة (كوردون بلو ) ، ليست شام محل محي الدين ابن عربي الذي جاب الأزقة باحثاً عن النور ، الكبريت الأحمر الذي لم يزل له في كل حي وزاوية مجلس علم وتصوف مع سائر فقهاء دمشق.. الأمر يبدو كما لو كانت ثمة قطيعة تاريخية رهيبة بين الشامين ..

من جهة أخرى ألا يتوجب على صاحب المكان الأثري في الشام احترام تلك الخصوصية الروحية دون أن يغرس أمام الزائر أرجيلة بمعسل التفاحتين وكأس شاي ليبتون كي يستمتع بنفث طعم الأستشراق على الجدران الأصيلة لأنه يدفع الفاتورة باليورو أو بالدولار؟!.. لكن مقترحاً مغايراً بأن تبقى هذه البيوت على حالها للتأمل والإستكشاف أو القراءة سيبدو مشنقة إقتصادية بالنسبة لأصحابها مع عدم اكتراث واضح من قبل الجهات المسؤولة ليس بعد أن فكر وزير الثقافة باستغلال ساحة المتحف الوطني لإقامة الأعراس والموالد وحفلات الطهور المحلية ..!
في المقابل ثمة تشريعات خاصة تمنع العبث وابتذال التاريخ كما يحدث في دمشق اليوم و تم اعتمادها من قبل المجلس العالمي للمعالم والمواقع الأثرية خاصةً اذا ماكانت ذات أهمية مرتبطة بشكل مباشر أو ملموس بالأحداث أو التقاليد أو الأفكار أوحتى الأعمال الفنية ، وعلى هذا أتمنى أن لاتزور لجنة كهذه البيوت التي صارت مطاعم خمس نجوم ويشاهدوا بأم العين كيف يسكب الزيت الساخن في المجاري الصحية التي ربما بدورها تعود إلى العهد الروماني ؟! وكيف يخدمهم( بيت جبري) بشكل لائق وعصري للغاية ..
في المقابل هل يفكر العربي الذي يتجول بمتحف اللوفر بنصب أركيلته العربية أمام وجه فرانسيس الأول للفنان الشهير (تيتان) كنوع من الغربة المضادة ليست كتلك التي علمونا إياها في كتب القومية المدرسية بل غربة ما تشبه رحيل الدمشقي الأخير من طلعة القشلة ...
أخيراً يبحث أحدهم الذي يرغب بتحويل بيت خالته المتوفاة منذ زمن بعيد في باب توما إلى محل فلافل وحمص عن اسم لافت للمطعم وبعد نظرة بانورامية إلى هذا الخليط العولمي الهجين وعربات السوزوكي المحملة بالباذنجان والكاتشاب مع من أصابتهم لوثة الشرق الجديد .. وأقترح عليه بأن يسميه ( السرفيس) بينما أتكئ على حائط متهالك من العصر البرونزي ..أفكر بأغنية شرقية جداً .... غريب الدار علي جار ...

No comments:

Post a Comment