Friday 31 December 2010

31/12/2010 على موقع العرب اون لاين

اللغة العربية وتحديات العصر الرقمي


http://www.alarabonline.org/index.asp?fname=%5C2010%5C12%5C12-30%5C837.htm&dismode=x&ts=30-12-2010%2014:16:28&utm_source=twitterfeed&utm_medium=twitter

د. عبد اللطيف الحناشي

تعتبر اللغة العربية إحدى أكثر اللغات الحية انتشارا في العالم إذ يتحدث بها أكثر من أربعمائة واثنين وعشرين مليون نسمة، وتُدرّس بشكل رسمي وغير رسمي في أغلب الدول الإسلامية في قارتي أفريقيا وآسيا، غير أن لغة القرآن الكريم تعرف تحديات مختلفة منها تراجع استعمالها عند العرب أنفسهم لصالح اللغتين الانجليزية والفرنسية وخاصة كيفية تعاملها مع التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت.

وفي هذا الصدد قال مدير الأبحاث والإستراتيجية في "مايكروسوفت" مؤخرا إن استخدام اللغة العربية لم يكن كثير الاستخدام بسبب الطريقة التي تتطور بها الانترنت. ففي الوقت الذي ينمو استخدام الشبكة العنكبوتية في العالم العربي منذ عام 2000 بإيقاع أسرع من أي مكان آخر في العالم ومع تقلّص تكاليف الاتصال بالشبكة العالمية لا يزال المحتوى دون المستوى والإنفاق الإعلاني لا يزال ضئيلا.

كما تبدو نسبة مساهمة المحتوى العربي أقل من واحد في المائة من الإجمالي العالمي رغم أن الناطقين بالعربية يشكّلون خمسة في المائة من سكان العالم، بالإضافة إلى أن عدد الكلمات في البوابة العربية لموسوعة ويكيبيديا على الانترنت مثلا هي أقل منه في الموقع الكتالوني.

والواقع أن المشكل ليس خاصا باللغة العربية، فالمفاهيم العلمية المستجدة ربما تتجاوز الخمسين مفهوما في اليوم الواحد. وتعرف الكثير من الدول الكبرى صعوبات واضحة في هذا المجال، ففرنسا مثلا تعاني باستمرار من نقص متنام في قطاع التدريس الجامعي التقني الدقيق لذلك يلتجئ الباحثون باستمرار إلى مصطلحات الأجنبية بالرغم مما تبذله عشرات الهيئات المختصة من جهد في هذا المجال...

وتشير إحدى الدراسات العلمية إلى أن الانخراط العربي في عصر المعلومات يبدو محدودا، إذ لا يوجد من بين أكثر من مليار مستخدم للشبكة العنكبوتية سوى 550 ألف مشترك عربي، وتحتل اللغة العربية هامشا ضئيلا ضمن ركام هائل من الصفحات على الشبكة، فبين نحو 8 مليارات صفحة تحتل اللغة الإنجليزية ما نسبتة 82 في المائة في الوقت الذي تحتل باقي اللغات نسبة 18 في المائة، وهي وضعية تعكس بوضوح الواقع المعلوماتي واختلاله لصالح اللغة الانجليزية الأمر الذي سيؤثر بالضرورة على الثقافات "المستضعفة إلكترونيا"، ويُعرّض أهلها إلى موجات عاتية من متاهات الانتماء وصراع الهوية...

وتشير بعض المعطيات ذات العلاقة إلى أن حصة الإنتاج الفكري باللغة العربية المُتاح لا يتجاوز واحدا ونصفا بالمائة من الإنتاج الفكري العالمي المنشور على "الواب" في الوقت الذي يشكّل عالم الإنترنت مدخلا أساسيا لعالم المعرفة ومصدرا ومولدا للمعرفة، ومنتجا وموزعا ومخزنا للمعلومات لا غنى عنه...

وقد كانت مجمل هذه القضايا والإشكاليات موضوع ندوة علمية عقدتها، مؤخرا، مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بتونس بالشراكة مع مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي بجامعة درهم Durham البريطانية، تحت عنوان "اللغة العربية وتحديات التكنولوجيا الحديثة على مستوى الانترنت". وقدم باحثون من عدة أقطار عربية: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، تونس، الجزائر، سوريا، قطر، المغرب الأقصى، مصر، والمملكة العربية السعودية، وأخرى أجنبية: فرنسا، بريطانيا، روسيا, صربيا.. خلال ثماني جلسات 22 مداخلة علمية تناولت مواضيع ذات علاقة بالموضوع، أجمع المحاضرون من خلالها على الأهمية التاريخية والحضارية للغة الضاد التي تعد مكونا ووسيطا أساسيا لنقل المحمول الثقافي العربي- الإسلامي الذي أغنى الإنسانية بعطاءاته الفكرية لعدة قرون.

كما عالجت بعض المداخلات الصعوبات والمعوقات التي تتعرض لها اللغة العربية في هذا المجال، من ذلك منافسة الثقافات واللغات والمنظومات المعلوماتية الأخرى، والتزايد الكبير في عدد العلوم والتكنولوجيات التطبيقية المعولمة، وتنامي المصطلحات المرتبطة بهذه العلوم والتكنولوجيات التي غالبا ما لا تجد لها مقابلات في اللغة العربية كما تم البحث في قضايا الإيديولوجية ذات الارتباط باللغة كالازدواجية "العربية/الأمازيغية، العربية/الكردية، الفصحى/العامية، العربية/الفرنسية، العربية/الإنجليزية"، والتعريب، وتغيير كتابة الأبجدية العربية باللاتينية، وعدم اكتمال البنى التحتية الاتصالاتية، والحاسوبية.. وتظهر كلها على شكل عراقيل تواجه المستعمل العربي إن على صعيد البث أو البحث أو الاتصال.

كما تمت مناقشة قضايا ذات علاقة بالحوسبة ورقمنة اللغة العربية من ذلك المعالجة الآلية للغة الطبيعية وتطبيقاتها، والتكشيف الآلي، والترجمة الآلية، والمسح الضوئي OCR، ومحركات البحث وضعف المحتوى الرقمي العربي..

ومن القضايا الهامة، ذات الانعكاسات الخطيرة على اللغة العربية، التي عالجها المحاضرون ما أطلقوا عليه بـ"التحدي التواصلي الجديد" وتتمثل هذه المسألة في نوعية الكتابة التي فرضتها الحاجة للتواصل عبر المواقع الإلكترونية الاجتماعية. فباستثناء المواقع الرسمية والأكاديمية التي تستعمل اللغة العربية الفصيحة، يلتجئ الكثير من الأفراد والعديد من الشرائح الاجتماعية إلى أسهل الطرق لإيصال رسائلهم وذلك باستعمال اللغة المحكية- المغايرة بنيويا وإملائيا ونحويا للغة الفصيحة- أو إلى استخدام لغة هجينة عربية بحروف لاتينية بالإضافة إلى الصور والأرقام وغيرها من الأشكال العجيبة والغريبة..

كما تطرق المتدخلون وناقشوا إحدى أهم القضايا التي تبدو إحدى خاصيات عالم الجنوب وهي انعدام التشريعات الخاصة بحقوق التأليف والنشر والترقيم وانعدام تطبيق المُشرّع منها وتأثيراتها السلبية المختلفة على الأفراد المبدعين وعلى القطاع ككل.

كما حدد المشاركون وحللوا بعض إمكانيات وآليات تجاوز فجوات اللغة العربية، من ذلك ضرورة الرفع من إمكانياتها التنافسية من خلال تقوية المرجعية العلمية العربية، وذلك عبر تمثل العلوم والتطبيقات وإدماجها في الخارطة المعرفية للمنطقة، ومواجهة الفجوة المعجمية العربية بما فيها أزمة الموسوعات ودوائر المعارف على الإنترنت، وحل قضايا البنى التحتية الاتصالاتية والحاسوبية، وإشكاليات رقمنة اللغة العربية ومن ذلك قضايا البرمجيات، والتكشيف والترجمة الآليين، والمسح الضوئي OCR، ومحركات البحث، وأسماء النطاقات، وإيجاد صناعة عربية للمحتوى الرقمي وذلك من خلال تقوية البنيات التحتية المعلوماتية والاتصالاتية وفرض احتياجات المنطقة على مصنعي الأجهزة والبرمجيات، بما يتلاءم والخصوصيات اللغوية والحضارية العربية، ومواجهة النقص الحاصل في الأطر المتخصصة في إنتاج المحتوى، وفي شح الموارد، وكذا النقص الحاصل في التعاون بين الدول العربية.. وتأسيس قاعدة رقمية عربية ثلاثية الأبعاد تتشكل من ثلاث بوابات: بوابة التعليم الرقمي العربي، وبوابة البنى التحتية الرقمية العربية ومكتبتها الرقمية، وبوابة حملة الترجمة العربية الحديثة؛ وذلك لتلافى الضعف المزدوج لحاملي اللغة العربية، الأمر الذي لن يتحقق إلا عن طريق إصلاح التعليم ومراجعة مناهجه وبيداغوجيته، بالإضافة إلى ضرورة إسراع الدول العربية إلى سن تشريع لغوي ملزم ووضع مخططات لغوية تعطي الأولوية إلى اللغة العربية، باعتبارها لغة الهوية، والحضارة والتنمية والأمن القومي.

وفي موازاة ذلك تأتي ضرورة تنظيم علاقات اللغة العربية باللغات الحية الأخرى والتصدي للتحدي التواصلي الجديد عن طريق فهم الظاهرة اللغوية الجديدة للإنترنت، واستيعاب جوانبها الحداثية وتلافي جوانبها السلبية حتى لا تحل اللغة الجديدة بنواقصها في المستقبل محل الصيغة الكتابية للعربية الفصيحة...

لا شكّ أن الاعتزاز باللغة القومية والدفاع عنها وتطويرها تبدو مسألة بديهية عند الأمم. وكانت النهضة العربية الحديثة في أحد أهم وجوهها ومضامينها نهضة لغوية بالأساس، سعت إلى تطوير اللغة العربية وتحديثها لتواكب العصر وتصدّ التحديات التي واجهتها آنذاك، على أكثر من صعيد، غير أن نشوء "دولة الاستقلال العربية" ساهمت إلى حد بعيد في تراجع هذه اللغة و"تكلّسها" والحدّ من انتشارها وذلك نتيجة لعدم وجود مؤسسات حاضنة ذات نجاعة وفعالية تصون اللغة القومية وتعمل من أجل تطويرها وإغنائها.

فاللغة الفرنسية، مثلا، وهي التي لا يتجاوز المتحدثون بها 300 مليون نسمة، بمن فيهم سكان فرنسا، تجد من الرعاية والحماية ما لا تجده لغة أخرى في العالم. فمنذ سنة 1794 أي منذ عهد الثورة الفرنسية صدر قانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية، ومن ضمن ما جاء في هذا القانون "أن اللغة الفرنسية هي الأمة الفرنسية". كما نص في مادته الثالثة أنه: "ابتداء من تاريخ تموز "يوليو" 1794 يمنع على كل موظف أو كاتب أو مسؤول التوقيع على قرار أو وثيقة بلغة غير اللغة الفرنسة، وإن كل مخالف لذلك يُطرد من الخدمة ويسجن ستة أشهر".

أما الدولة الفرنسية فأصدرت بمناسبة الذكرى المائتين "1994" لصدور ذاك القانون، قانونا جديدا لحماية اللغة الفرنسية "قانون توبون"، نسبة إلى وزير الثقافة الذي كان وراء صدوره، وأخذت تطبقه بصرامة وبلا هوادة. كما توجد في فرنسا قوانين أخرى تلزم وسائل الإعلام الفرنسية السمعية والبصرية على اعتماد اللغة الفرنسية دون اللغات الأخرى إلا في حدود معينة سواء بالنسبة إلى البرامج العامة أو الأفلام أو البرامج الوثائقية المختلفة. ومن مظاهر حرص فرنسا على لغتها وحضارتها بعثها لمنظمة الدول الناطقة بالفرنسية سنة 1970..

وفي هذا الإطار وانطلاقا من أن اللغة العربية تمثل أساس الثقافة العربية وعمادها، واعتبارا من كون "قضيتها هي قضية أمن قومي عربي" بالأساس، دعا المشاركون في الندوة كل المؤسسات المعنية إلى معالجة أوضاع اللغة العربية واتخاذ القرارات الكفيلة بالحفاظ عليها وتطويرها، وتحقيق استخدامها الشامل، وغرس الاعتزاز بها وجعلها في صدارة الاهتمامات الوطنية والقومية، كما عبروا عن أملهم في أن تهتم القمة الثقافية العربية المرتقبة بهذا الأمر وتوليه المكانة التي تستحقها...

وتحقيقا لهذا الأمر أكد الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، أن "الجميع مدعوون لوضع مشروع النهوض بلغة الضاد في العصر الرقمي ودراسة الواقع اللساني وتفاعله مع مختلف الأشكال التعبيرية الجديدة وإثراء المحتوى الفني وكيفية معالجة واقع الترجمة الآلية وتطويع واختراع واشتقاق المصطلحات التي تمدنا بها المختبرات الدولية تباعا ويوميا"..

لعل من الخصال الكثيرة التي تتميز بها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وعميدها، العالم المثابر، الأستاذ عبد الجليل هو اقتران القول لديها بالفعل، وذلك دون تردد، رغم تواضع إمكانياتها المالية واللوجستية.. فهذه الندوة لم تكن في الواقع إلا امتدادا لورشتين علميتين سابقتين حول اللغة العربية، انعقدت الورشة الأولى يوم 31 ماي/ايار 2008 تحت عنوان "أزمة لغة أم أزمة مجتمع" أما الثانية فانعقدت يوم السبت 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 تحت عنوان رهانات اللغة في المغرب العربي والتحديات الداخلية والخارجية" تم إصدارهما ضمن كتاب في شهر أفريل من هذه السنة ونحن ننتظر باطمئنان صدور هذه الندوة العلمية الطريفة والرائدة من حيث مضمونها ونوعية القضايا التي عالجتها وذلك حتى يستفيد منها أكبر عدد من المهتمين بقضايا اللغة العربية في عصر الانترنيت والمعلوماتية..

No comments:

Post a Comment