Tuesday 29 June 2010

Theorising e-Arabic

كلمة

الإنترنت وأنماط المعرفة

26/06/2010 02:12:39 م

د‮. ‬صبري حافظ



تحدثت في الأسبوع الماضي عن المؤتمر الذي نظمته الدكتورة أنيسة الداودي بجامعة دارهام في بريطانيا،‮ ‬والذي توافق مع مؤتمر المدونين العرب في عجمان وأبي ظبي،‮ ‬وعن دلالات المؤتمرين وما بينهما من اختلافات مهمة‮. ‬فبينما تهتم جامعة دارهام بتمحيص ما يدور في هذا الفضاء الإليكتروني والتنظير له،‮ ‬سعي مؤتمر الإمارات فيما قرأته عنه من تغطيات لتوصيف الظاهرة،‮ ‬والتعرف علي حدودها‮. ‬كما أثار مجموعة من الأسئلة حول رغبة المؤسسة في احتواء هذا النشاط التلقائي التي تفجرت فورته في السنوات الأخيرة،‮ ‬وتسارع عدد مستخدميه بمعدلات‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬دون أن تعرف المؤسسة كيف تسيطر عليها‮. ‬وقد تزامن المؤتمران مع حدث مقتل الشاب المصري خالد محمد سعيد الذي انتزع من أحدي مقاهي الانترنت،‮ ‬وقتل‮ ‬غيله‮. ‬وهو الحدث الذي لولا الانترنت لأمكن لملمته،‮ ‬كما تتم لملمة‮ ‬غيره من الجرائم التي ترتكب كل يوم في هذا الزمن العربي الردئ دونما رقيب‮. ‬فقد استطاع مستخدمو الانترنت أن يحيلوا مقتل زميلهم خالد سعيد إلي خبر عالمي اهتمت به أغلب مؤسسات الإعلام وحقوق الإنسان الكبري في العالم‮. ‬وكأنما جاء هذا الحدث المريع ليكشف لمن كان لديه أدني شك في أهمية الانترنت وفاعليتها في الحدث‮. ‬فقد جسد لنا بصورة‮ ‬غير مسبوقة ما يمكنها أن تفعله من فضح للممارسات الوحشية التي كان يمكن التستر عليها بسهولة قبل عصر الانترنت‮.‬
وقد سبق أن نبهت إلي قوة الأنترنت وتغييرها للعلاقات الإعلامية والسياسية علي السواء قبل فترة حينما تناولت كتاب جون ميرسهايمر‮ (‬جامعة شيكاجو‮) ‬وستيفن والت‮ (‬جامعة هارفارد‮) ‬عن جبروت اللوبي الصهيوني في أمريكا،‮ ‬وهو الكتاب الذي كان من الممكن وأده بسهولة في عصر ما قبل الأنترنت،‮ ‬بسبب سطوة هذا اللوبي المخيفة‮. ‬صحيح أن هذا اللوبي استطاع بعد عمل دؤوب لعامين أن يجرد والت من وظيفته في جامعة هارفارد،‮ ‬ولكنه لم يتمكن من إيقاف نشر الكتاب حتي في صورته التقليدية المطبوعة،‮ ‬كما كان يحدث في الماضي‮. ‬فقد انتشر الكتاب علي الإنترنت بصورة لم يمكن معه إيقافها‮. ‬وما جري في أمريكا مع كتاب اللوبي الصهيوني الذي استحالت لملمته،‮ ‬ومازلنا نري فيما قامت به الصحفية الجسورة هيلين توماس برغم أنها في التسعين من عمرها توابع عاصفة نشره التي بدأت بعدها صورة دولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين في التعرض للزعزعة والأفول في الغرب خاصة‮. ‬لأن عالمنا العربي مغيّب ومهان وفاقد للذاكرة‮. ‬أقول أن ما جري في أمريكا في تجربة نشر كتاب اللوبي الصهيوني،‮ ‬قد بدأ يحدث في عالمنا العربي مع جريمة اغتيال خالد سعيد في سيدي جابر في وضح النهار‮. ‬إنه تغير يقول إنه إذا ما توفر الوعي والحراك القادر علي استخدام أدوات العصر الجديد فسوف تستحيل لملمة الكثير من الجرائم في عالمنا العربي المختل،‮ ‬وسوف يأفل نجم القهر والاستبداد فيه‮.‬
إذن لايستطيع أحد أن ينكر التغيرات الجذرية التي جلبتها الإنترنت لبنية العلاقات المجتمعية والإنسانية والسياسية،‮ ‬ولأنماط المعرفة وفاعلياتها‮. ‬وقد بدأ التنظير لهذه المتغيرات قبل أكثر من عشر سنوات بدراسات مارك بوستر،‮ ‬الأستاذ في جامعة كاليفورنيا‮: ‬إيرفاين،‮ ‬وخاصة في كتابه‮ (‬علاقات المعلومات‮ ‬Mode of‮ ‬Information) الذي اقترح فيه ضرورة تطوير مفهوم كارل ماركس الشهير عن‮ «‬علاقات الانتاج ونمط الانتاج‮» ‬في المجتمع ما بعدالرأسمالي،‮ ‬وطرح مفهوم‮ «‬علاقات المعلومات وأنماط إنتاجها وتبادلها‮» ‬بدلا منه‮. ‬وهي دراسة أدخل فيها التحليل الاجتماعي والسياسي باعتباره ماركسي سارتري قديم كما يقول لنا إلي تحليلات فوكو،‮ ‬وديريدا،‮ ‬وبودليار،‮ ‬ووليوتار‮. ‬وكشف في تلك الدراسة المهمة عما يمكن تسميته بالبنيتين التحتية والفوقية لعلاقات المعلومات الجديدة‮. ‬صحيح أن بوستر ابن جيل الستينات الامريكي،‮ ‬ولذلك فكل شواهده ونماذجه من متغيرات الوضع الأمريكي الذي خبره وعاشه،‮ ‬إلا أن من الضروري الاستفادة بإضاءاته،‮ ‬وإضاءات‮ ‬غيره من الباحثين في التنظير لما يجلبه هذا الإقبال المتسارع علي الإنترنت من متغيرات في عالمنا العربي،‮ ‬وفي علاقات المعلومات به‮. ‬فماذا قدم مؤتمر دارهام من تنظيرات في هذا المجال؟ هذا ما سنتعرف عليه في الإسبوع القادم‮.‬


‮ ‬Katibmisri @ yahoo. co. uk

No comments:

Post a Comment